ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ الخصوصيّة الفرديّة كما هي واسطة للعلم بوجود الكلّي واسطة في تحقّقه ، فإنّ المتيقّن وجود الكلّي في ضمنه لا في ضمن غيره ، وقد زال فالمتيقّن مقطوع الارتفاع ، ولا يمكن أن يكون الكلّي من حيث ذاته مستصحبا ، لأنّ الكلّي من حيث هو لا يتّصف بوجود ولا بعدم ، بل لا بدّ أن يكون استصحابه من حيث وجوده ، فإذا فرض أنّ المتيقّن هو الكلّي المتخصّص بخصوصيّته قد زالت قطعا ، فما هو مركز اليقين قد زال ، فأيّ شيء يستصحب؟
وقد ظهر الفرق بين القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي والقسم الثاني فإنّه في الثاني يحتمل البقاء ، لأنّ المتيقّن السابق يحتمل أن يكون باقيا من أوّل الأمر إلى الآن كما لو كان الحيوان فيلا مثلا وهذا بخلافه على الثالث فإنّ المتيقّن زائل قطعا.
نعم ، حيث يكون الفرد الحادث معدودا من مراتب الفرد الأوّل عرفا ، كما في السواد الخفيف بالإضافة إلى السواد الشديد يجري الاستصحاب ، إلّا أنّه ليس من أقسام استصحاب الكلّي بل هو استصحاب شخصي لا كلّي (*) ، لأنّ المفروض أنّه هو عين الأوّل عرفا ، بل ودقّة كما ذكر في محلّه في برهان أصالة الوجود ، وهو نظير الأحوال العارضة للمكلّف ، مثلا إذا فرض أنّ زيدا كان صحيحا وقد ارتفعت صحّته قطعا ونشكّ في بقاء حياته فهل يتوقّف أحد في استصحاب حياته.
وبالجملة ، فعدّ هذا من أقسام استصحاب الكلّي تسامح واضح.
(بقي الكلام في أنّ الوجوب والاستحباب من ثالث أقسام القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي نظرا إلى أنّ التفاوت بينهما بشدّة الطلب وضعفه وأنّ الوجود واحد ، أم أنّ النظر العرفي الّذي هو المعيار في باب الاستصحاب يراهما فردين متباينين ، فلا يجري الاستصحاب لو قطع بزوال الوجوب
__________________
(*) قد اختار سيّدنا الاستاذ أيّده الله تعالى في دورته اللاحقة أنّه من القسم الأوّل من أقسام استصحاب الكلّي لا الثالث ولا استصحابا شخصيّا.