أحكام شريعتنا على تقدير المماثلة بين بعضها وبعض أحكام الشريعة السابقة محتاجة إلى الإمضاء.
ولا يخفى أنّ دليل الاستصحاب يكون بنفسه إمضاء ، إذ «لا تنقض» شاملة لذلك أيضا قطعا ، فنهيه عن نقضها إمضاء لها لا أنّه بجريانه نثبت الإمضاء ليكون مثبتا ، فلا مانع من جريان استصحاب عدم النسخ من هذه الجهة ، إنّما الكلام في أنّ استصحاب عدم النسخ بنفسه يجري أم لا يجري؟ الظاهر عدم الجريان بناء على ما هو الحقّ في النسخ من انتهاء أمد الحكم ، فإنّ الحكم إذا انتهى أمده لا شكّ في بقائه.
وبعد استحالة الإهمال في الواقعيّات فالحكم إمّا مطلق من جهة الزمان أو مقيّد ، فالشاكّ في بقائه شاكّ في أصل ثبوته له من أوّل الأمر لا شاكّ في رفعه عنه بعد ثبوته له.
نعم ، بناء على أنّ النسخ بمعنى البداء يصحّ الاستصحاب إلّا أنّ النسخ بهذا المعنى مستحيل على الله لأدائه إلى الجهل تعالى الله عن ذلك علوّا كثيرا.
وحينئذ فما ادّعاه المحدّث الاسترآبادي من قيام الضرورة على استصحاب عدم النسخ (١) إن أراد به العمل على طبق الحكم السابق فصحيح ولا يسمّى هذا بالاستصحاب ، وإن أراد به الاستصحاب المصطلح فدعوى الضرورة غير مسموعة ، وحينئذ فإذا كان الحكم من أحكام شريعتنا فبقاعدة الاشتراك يثبت الحكم ، بل بإطلاق الدليل أو عمومه الّذي بهما ثبت الحكم لو كان ، وإن كان من أحكام الشريعة السابقة فلا يمكن جريان الاستصحاب ولا دليل على الاشتراك ولا نعلم إطلاقا في أدلّتهم من حيث الزمان ، إذ لم نطّلع عليها.
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٤٣ ، كما حكى عنه الشيخ في الفرائد ٣ : ٣١.