ثانيهما : أنّ هذا متيقّن وشاكّ ، إذ الحكم إنّما ثبت للكلّي ولم يثبت للشخصي.
والظاهر أنّ مراده قدسسره أنّ الأحكام إنّما وضعت بنحو القضايا الحقيقيّة ولم يعتبر فيها وجود الموضوع خارجا كما هو شأن القضايا الخارجيّة ، وحينئذ فهو متيقّن وشاكّ فيجري فيه الاستصحاب.
فتلخّص أنّه لا مانع من جريان الاستصحاب في الأحكام الشريعة السابقة إذا شكّ في نسخها ، إلّا أنّ هنا بخصوصه إشكالا ، ملخّصه :
أنّ الشريعة اللاحقة لا بدّ وأن تكون ناسخة لجملة من الأحكام الثابتة للشريعة السابقة فنعلم إجمالا بأنّ جملة من الأحكام منسوخة ومعه لا يمكن جريان الاستصحاب.
وقد أجاب عنه الميرزا وغيره قدسسره بأنّ المقدار المعلوم بالإجمال قد عثرنا على أضعافه فانحلّ العلم الإجمالي فلا مانع من الاستصحاب (١).
إلّا أنّ الميرزا النائيني منع من الاستصحاب لحكم الشريعة السابقة (٢) إمّا لقوله : بأنّ الأحكام الّتي جاءت بها شريعة محمّد صلىاللهعليهوآله مجعولة جديدا ، وتوافق بعضها إنّما هو بإنشاء حكم مماثل للحكم السابق.
وإمّا لقوله : بلزوم إمضاء أحكام الشريعة السابقة ، والاستصحاب لإثبات الإمضاء مثبت.
ولا يخفى أنّ دعوى كون الأحكام كلّها مجعولة بجعل استقلالي يغاير جعل الحكم المماثل في الشريعة السابقة بعيدة (*) بل ممنوعة ، بل الظاهر أنّ
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ١٢٨.
(٢) المصدر المتقدّم.
(*) جاء في هامش الأصل : وجه البعد أنّ الجاعل للأحكام هو الله تعالى ، والرسل سفراء لتبليغ تلك الأحكام فلا تحتاج إلى جعل جديد للحكم إذا عيّن سفيرا بعد السفير الأوّل ، خصوصا إذا كان المجعول مماثلا ، إذ النسخ وجعل الحكم المماثل لغو.