ثمّ إنّه يقع الكلام في المجعول فنقول : ذكر الآخوند قدسسره أنّ المجعول في باب الاستصحاب هو المستصحب المتيقّن ، فإن كان حكما فالمجعول هو الحكم المماثل له ، وإن كان موضوعا فالمجعول هو الحكم المماثل لحكمه السابق (١). وذكر الميرزا قدسسره أنّ المجعول هو الجرى العملي (٢).
ولا يخفى أنّ هذين القولين وإن كانا ممكنين بحسب الثبوت إلّا أنّ الكلام فيهما بحسب الإثبات ، فإنّ أدلّة الاستصحاب لا تعرّض لها بالنسبة إلى المتيقّن ولا للجري العملي ، على أنّ الجري العملي من لوازم المجعول ، والمجعول على ما هو ظاهر الأدلّة هو نفس اليقين ، والجري العملي من آثاره ، فهو نظير التنجيز والتعذير اللذين زعم أنّهما من لوازم الحجّية ردّا على الآخوند قدسسره حيث زعم أنّهما هما المجعولان في باب جعل الحجّية (٣) فكذلك الجري العملي من لوازم جعل اليقين ، فكأنّه بجعله يقول : رتّب على نفسك آثار اليقين فإنّك متيقّن بحكم الشارع لا شاكّ.
والوجه في تقديم الأمارة على الاستصحاب ـ مع كون التعارض بين أدلّة حجّيتهما العموم من وجه ، فإنّ أدلّة الأمارة دلّت على حجّيتها كان في مقابلها استصحاب أم لا ، وأدلّة الاستصحاب دلّت على حجّية الاستصحاب كان في مورده أمارة أم لا ـ واضح ممّا ذكرنا في وجه الفرق بينهما ؛ وذلك أنّ الاستصحاب مثلا قد اخذ الشكّ في موضوعه ابتداء واستدامة ، فقيام البيّنة حينئذ يرفع الجهل استدامة بالحكم الواقعي وإن كان الشكّ ابتداء موجودا كي تجري البيّنة وتكون حجّة ، فيرتفع الجهل استمرارا فلا يجري الاستصحاب حينئذ.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٧٢.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ١٣٠.
(٣) انظر كفاية الاصول : ٣١٩.