العلم والجهل. والأصل ما يؤخذ الجهل بالحكم الواقعي في موضوعه ، وبهذا اللحاظ قدّموا الأمارة على الأصل فإنّها ترفع الجهل بالحكم الواقعي الّذي هو موضوع الأصل.
ولا يخفى أنّ ما ذكر ليس إلّا تسطير ألفاظ وإلّا فالموضوع في دليلي الأصل والأمارة هو عدم العلم بالحكم الواقعي ، لما ذكرنا مرارا من أنّ الموضوع إذا كان منقسما إلى قسمين فاخذ في موضوع حكم من الأحكام ، فإمّا أن يؤخذ مطلقا أو يؤخذ متخصّصا بإحدى الخصوصيّتين المأخوذة في القسمين ، إمّا متخصّصا بوجود الخصوصيّة أو بعدمها ، ولا يعقل أن يؤخذ مهملا ؛ لأنّه لا يعقل أن لا يعلم الحاكم حكم نفسه ، وجهل الموضوع وإهماله يؤدّي إلى جهل سعة الموضوع وضيقه فيؤدّي إلى جهل الحكم نفسه في الحقيقة ، وحينئذ فموضوع الأصل والأمارة بالإضافة إلى المكلّف المنقسم إلى العالم بالحكم الواقعي والجاهل به إمّا أن يكون مقيّدا بالعالم أو مطلقا ولا معنى له ، فتعيّن أن يكون الموضوع هو الجاهل بالحكم الواقعي فيهما معا.
فلو سلّم أنّ أدلّة الأمارات غير مقيّدة لموضوع الأمارة بالجاهل لفظا إلّا أنّه بعد استحالة الإهمال في الواقعيّات واستحالة تقييدها بخصوص العالم بالحكم ؛ لعدم الفائدة فيستحيل شمول الإطلاق له فتعيّن تقييده بالجاهل ، على أنّه قد اخذ عدم العلم في موضوع جملة منها صريحا في قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) بناء على دلالتها على حجّية قول المفتي أو خبر الواحد وغيرها.
فلا فرق بينهما من الجهة الّتي ذكروها. نعم بينهما فرق من جهة اخرى وهي أنّ الجهل بالحكم الواقعي في الأمارة يعتبر ابتداء لا استدامة ؛ لأنّ نفس الأمارة ترفع الجهل استدامة ، وهذا بخلاف الأصل فالجهل فيه حدوثا واستدامة ، فهو حال جهله حكمه كذا.
__________________
(١) النحل : ٤٣ ، والأنبياء : ٧.