ويمكن أن يكون مرادهم أنّ إدراك العقل للحسن والقبح ـ بمعنى تحسين العقلاء مدح فاعل العمل الفلاني وتقبيح ذمّه وعقابه ، وتحسين عقاب فاعل العمل الفلاني وتقبيح مدحه ـ لا يكون مدركا لحكم شرعي.
ويمكن أن يكون مرادهم أنّ إدراك العقل وقطعه بالامور التكوينيّة الخارجيّة لا يكون مدركا لحكم شرعيّ أصلا.
فإن كان مرادهم الأوّل ، فإن كان مرادهم أنّ العقل لا يدرك مصالح الأحكام الواقعيّة ـ لقصوره عن إدراكها بحيث يعلم بتحقّقها وعدم المانع عنها ـ فما ذكره الأخباريّون حينئذ صحيح ، لأنّ العقل البشري باعتبار قصوره ـ لكون إدراكه محدودا ـ ليست له القوّة الّتي يقتدر بها على إدراك مصالح الحكم الشرعي ، وعلى تقدير إدراكه لها لا يدرك عدم اقترانها بالمانع ، فلعلّ مصلحة الحكم مثلا وإن كانت موجودة إلّا أنّ هناك مانعا عنها.
وإن كان المراد أنّه لو فرض محالا إدراك العقل لمصلحة الحكم الشرعي وأنّها غير مزاحمة بمانع فلا بدّ حينئذ من الالتزام بالحكم الشرعي ، لأنّه حينئذ ليس له أن لا يجعل الحكم الشرعي لأنّ المفروض وجودها وعدم المانع من الإلزام بها ، فيكون الانتقال إلى الحكم الشرعيّ انتقالا من العلّة إلى المعلول أي من المصلحة إلى معلولها وهو الحكم.
وإن كان مراد الأخباريين أنّ إدراك العقل للحسن والقبح في الأفعال وقطعه بها لا يكون مدركا لحكم شرعيّ :
فإن أرادوا أنّ العقل لا يدرك الحسن والقبح في الأفعال ـ بمعنى أنّه لا يدرك أنّ العمل الفلاني يحسن مدح فاعله وثوابه ، وأنّ العمل الفلاني يقبح مدح فاعله وإعطائه الثواب ـ فهذا أمر غير معقول ، لأنّه لو لا إدراك العقل لحسن الطاعة وقبح المعصية لما كان فائدة لأوامر المولى ونواهيه ، فإنّه لو لا إدراكه حسن المثوبة على الطاعة والعقوبة على المعصية لما كان يجدي أوامر المولى للانبعاث والانزجار نحو