فإن استصحب النبوّة فالركن الأوّل وهو يقينه بالنبوّة وإن كان ثابتا إلّا أنّه إمّا أن يشكّ في بقائها أو لا يشكّ ، فإن لم يشكّ فلا يجري الاستصحاب لعدم تحقّق الشكّ ، وان شكّ فلا يجري الاستصحاب إلّا بعد الفحص ومعه يحصل له العلم بنبوّة محمّد ، لأنّ من جاهد فينا لنهدينّه سبلنا.
ولو فرض عدم حصول العلم له ولو محالا لا يجديه الاستصحاب أيضا ، لأنّ النبوّة يعتبر فيها اليقين بنحو الموضوعيّة ، والاستصحاب لا يفيد اليقين ، إذ أقصى إفادته الظنّ الّذي لا يغني عن الحقّ شيئا ، مضافا إلى أنّ دليل الاستصحاب إن كان في الشريعة السابقة فالشك في بقائها يوجب الشكّ في حجّية الاستصحاب ، وإن كان في الشريعة اللاحقة فهو لا يعترف بها.
وإن أراد استصحاب أحكام الشريعة السابقة فإن لم يكن له شكّ فأركان الاستصحاب حينئذ غير تامّة ، وإن كان له شكّ فهو وإن لم يعتبر في الحكم اليقين إلّا أنّ الحكم المستصحب إنّما يستصحب بعد الفحص عن معارضه ، والفحص من الذمّي يستدعي اليقين بالنسخ ، مضافا إلى الإيراد الأخير السابق.
وإن أراد الاستصحاب لإلزام المسلم بشريعة موسى عليهالسلام أو بنبوّته ، فإن أراد الإلزام بالنبوّة وفرضنا قيام دليل الاستصحاب في كلتا الشريعتين فالمسلم لا يقين له بنبوة موسى إلّا من طريق إخبار نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، فهو مع قطع النظر عن إخباره لا يقين له بنبوّة موسى عليهالسلام وهذا هو مراد الإمام الرضا عليهالسلام في محاججته مع الجاثليق في مجلس المأمون حيث قال له : «إنّا على يقين من نبوّة عيسى الّذي أخبر بنبوّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله» (١) ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري (٢) في المقام لا يخلو من ضعف واضح في مقام الإشكال على هذه الرواية.
__________________
(١) كتاب التوحيد للصدوق : ٤٢٠ و ٤٢١ ، والاحتجاج ٢ : ٤٠٤ و ٤٠٧.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦١.