آثار المحدث بلا ريب ، وإنّما الكلام في وجه ذلك وأنّ تقدّم الأمارة على الاستصحاب هل هو من جهة التخصيص أو الورود أو الحكومة؟ وقد اختلف كلام الأعلام في هذا المقام ، فذهب الآخوند قدسسره إلى كون تقديم الأمارة إنّما هو لورود دليلها على دليل الاستصحاب (١) وذهب الشيخ الأنصاري قدسسره (٢) وتبعه الميرزا قدسسره (٣) وجملة من المحقّقين (٤) إلى أنّ الوجه في تقديم الأمارة إنّما هو الحكومة.
أمّا القول بالتخصيص فهو مبنيّ على بطلان هذين القولين ، وأمّا مع ثبوت صحّة أحدهما لا يبقى مجال للقول بالتخصيص ، مضافا إلى أنّ ألسنة أدلّة الاستصحاب بما أنّها إشارة إلى أمر ارتكازي عقلائي فهي غير قابلة للتخصيص أصلا ، فيقع الكلام في الأوّلين ، وقد ذكرنا أنّ الآخوند قدسسره اختار الورود ، ويمكن توجيهه بوجوه وكلّها يمكن أن تكون مراده قدسسره من عبارته في الكفاية :
أحدها : أن يقال بأنّ الحكم في هذه الأخبار المذكورة بتحريم نقض اليقين بغير اليقين كما يقتضيه قوله : ولكن تنقضه بيقين مثله ، فالمراد باليقين الثاني هو مطلق الحجّة ، والحكم بجواز النقض باليقين الآخر بما أنّه فرد لمطلق الحجّة لا لخصوصية فيه ، وحينئذ فالأمارة حجّة فهي ممّا جاز النقض بها.
ولا يخفى أنّ ما ذكره خلاف الظاهر ، فإنّ الظاهر أنّ المحكوم عليه هو خصوص المذكور بما هو هو لا بما أنّه فرد من أفراد الحجّة. وبالجملة ، فما ذكره وإن كان ممكنا إلّا أنّه خلاف الظاهر.
الثاني : أنّ الشارع إنّما حرّم نقض اليقين بالشكّ والبيّنة مثلا ليست بشكّ فلا يحرم نقض اليقين بها.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٨٨.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣١٤ و ٣٢١ و.
(٣) أجود التقريرات ٤ : ١٩١.
(٤) كالمحقّق العراقي في نهاية الأفكار ٤ : ١٩.