وبالجملة ، الإطلاقات المذكورة في المقام قويّة جدّا ولا مقيّد لها إلّا ما يتوهّم من رواية زرارة المتضمّنة للشكّ في الوضوء حيث يقول فيها ما مضمونه : وإن شككت بعد ما دخلت في غيره من صلاة أو غيرها (١). الظاهر بحسب مفهومه كون المدخول فيه صلاة أو غيرها ممّا هو مترتّب عليها فيكون مقيّدا للإطلاقات ، ولكنّ هذه الرواية لا تصلح أن تكون مقيّدة لامور :
الأوّل : أنّ دلالتها بحسب المفهوم وفي صدرها مفهوم آخر ، فإنّ صدرها بمضمونه يدلّ مفهوما على عدم الاعتناء بالشكّ في الوضوء بعد الفراغ ، لحصره الاعتناء بكونه قاعدا على وضوئه ، فيكون بين المفهوم الأوّل والثاني تدافع ، فإذا كان الكلام مسوقا لإفادة الصدر يرتفع ظهور العجز في المفهوم.
الثاني : أنّا لو أغمضنا النظر عن كون الكلام مسوقا لإفادة الصدر يقع التعارض بين المفهومين ، ولكنّ الترجيح للصدر لتأيّده بالإطلاق أوّلا ، وبكونها أمارة على كون المكلّف آتيا بالمشكوك ، لأنّ كونه في مقام الامتثال قاض بحسب الارتكاز النوعي لإتيانه بالمشكوك فيه ، وهذا المقدار وهو مطلق الفراغ كاف في تحقيق هذا المعنى والظنّ النوعي ، ولا يحتاج إلى الدخول في أمر مترتّب على المشكوك فيه.
الثالث : أنّ المفهوم الثاني معرض عنه غير مفتى على طبقه ، فإنّا لم نجد من المعروفين بالفتوى من يفتي ببطلان الطهارة إذا شكّ فيها بعد الفراغ عنها بمدّة ساعتين ولم يدخل في أمر مترتّب عليها.
الرابع : أنّ هذه الرواية خاصّة بموردها ولا عموم لها فيختصّ ما ذكر فيها بخصوص الوضوء ، مضافا إلى أنّ فيها من صلاة أو غيرها فالغير لا يختصّ بالمترتّب أصلا ، وحينئذ فالتعبير بالصلاة إنّما هو من باب الغلبة في كون الإنسان بعد الوضوء يصلّي لا لخصوصيّة في الصلاة.
__________________
(١) المصدر السابق : الحديث الأوّل.