لاختلّت سوق المسلمين واضطرب نظامهم ، فإنّ معناه أنّ كلّ إنسان يشتري شيئا يلزمه أن يعلم أنّ ملك البائع كان بشراء صحيح أم لا ، وهذا أمر عسر.
وقد استدلّ على أصالة الصحّة المحقّق الكركي بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) وبقوله : (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٢)(٣) بتقريب أنّ جميع المخاطبين يجب عليهم الوفاء بعقد المتبايعين بمعنى أنّه يجب على الجميع ترتيب آثار العقد عليه.
ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الآيات ـ مع أنّه لا يجدي ، لأنّه أخصّ من المدّعى فإنّ المدّعى حجّية أصالة الصحّة في جميع العقود والإيقاعات والمعاملات بالمعنى الأعمّ ، مثل غسل الثوب وشبهه ، وأنّ معنى الوفاء بالعقد إنّما هو إنهاؤه وإكماله وهو لا يتحقّق إلّا من المتعاقدين ـ مبنيّ على جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة ، فإنّ الّذي يجب الوفاء به هو العقد الصحيح ، والشكّ في تحقّقه فإنّ المفروض الشكّ في الصحّة ولا يتكفّل الحكم لبيان موضوعه ولتحقّقه في الخارج.
الثاني : في الفرق بين أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ أنّ أصالة الصحّة إنّما تجري في فعل الغير وقاعدة الفراغ في فعل نفس المكلّف ، وأنّ قاعدة الفراغ إنّما تجري بعد الفراغ من العمل المشكوك فيه ، وأصالة الصحّة تجري حتّى في أثناء العمل ، وإذا عبّر في عمل نفس الإنسان بأصالة الصحّة فالمراد قاعدة الفراغ.
الثالث : أنّ المراد من الصحّة في المقام الصحّة الواقعيّة لا الصحّة عند نفس المكلّف. وربّما نسب إلى المحقّق القمي قدسسره كون المراد الصحّة عند نفس الفاعل (٤). ولا يخفى أنّه لا يجدي شيئا بالإضافة إلى نفس المكلّف الثاني الّذي يجري أصالة الصحّة ،
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) النساء : ٢٩.
(٣) انظر جامع المقاصد ٥ : ١٦٢.
(٤) انظر القوانين ١ : ٥١ ، وجامع الشتات ٤ : ٣٧١ ـ ٣٧٢.