لأنّ مقصوده في صلاة الميّت مثلا رفع التكليف عن نفسه ولا يرتفع بالصحّة عند الفاعل دون المجري. نعم لو اريد من الصحّة الحسن في قبال القبيح كان لكلام المحقّق القمّي وجه ، ولكن قد عرفت أنّه خارج عن محلّ الكلام.
الرابع : أنّ أصالة الصحّة في عمل الغير هل تجري في عمل كلّ مؤمن أم يشترط في جريانها أمر آخر؟ وتحقيق الكلام أن يقال : إنّ الشاكّ في صحّة عمل إنسان إمّا أن يعلم أنّ العامل لهذا العمل المشكوك صحّته جاهل بشروطه وأجزائه ، أو جاهل بالموضوع ولكنّه يحتمل بحسب الصدفة أن يكون قد أتى بجميع ما يعتبر فيه ، أو أنّه أخذ من اللحم المذكّى صدفة في الجهل بالموضوع ، سواء كان الجهل معذورا فيه أم لم يكن معذورا كالشبهة البدويّة ، ومثل هذا العامل لا يمكن إجراء أصالة الصحّة في عمله ، لعدم استقرار السيرة القطعيّة على إجراء أصالة الصحّة في حقّ الجاهل بالحكم أو الموضوع ، ولا إطلاق كي يتمسّك به في دخول مثل هذا فيه ، بل ظاهر تعليلات الفقهاء ب «ظهور حال المسلم» و «أنّه لا يأتي بالفاسد» كالصريح في كونه عالما بالحكم.
وإمّا أن يشكّ في كونه عالما بالحكم أو جاهلا ، وظاهر كلام الشيخ الأنصاري التوقّف في جريان أصالة الصحّة في هذا أيضا (١) والظاهر هو الجريان لاستقرار السيرة ، فإنّ الغالب من موارد جريان أصالة الصحّة هو هذا ، بل لو لا الجريان لما قام للمسلمين سوق ولوقعوا في الهرج والمرج.
وإمّا أن يعلم أنّه عالم بالحكم وهذا على أقسام ، لأنّه تارة يعلم موافقته له في التقليد أو الفتوى ، واخرى يشكّ في الموافقة والمخالفة ، وثالثة يعلم بالمخالفة :
فالصورة الاولى هي القدر المتيقّن من موارد جريان أصالة الصحّة بقرينة تعليلهم له بظاهر حال المسلم.
__________________
(١) انظر الفرائد ٣ : ٣٥٦.