وقد ادّعى الشيخ الانصاري استقرار السيرة على جريانها حتّى عند الشكّ في الأركان واستدلّ بشرائنا أشياء من المكلّف نحتمل شراءها حال صغره ، فلولا إجراء أصالة الصحّة لما صحّ الشراء (١).
ومثل هذا الاستدلال منه قدسسره في غاية الغرابة ، فإنّ جواز الشراء حينئذ وإن كان صحيحا إلّا أنّه ليس من جهة إجراء أصالة الصحّة ، بل من جهة قاعدة اليد.
وبالجملة ، فالسيرة لم تثبت لو لم نقل بثبوت عدمها ، فلو ادّعت الزوجة كونها مكرهة بقبول العقد لا يعتنى بدعواها لمكان جريان أصالة الصحّة ، بخلاف ما لو ادّعت أنّها كانت مزوجة عند صدور العقد فحينئذ لا تجري أصالة الصحّة ، فافهم.
وقد ذكرنا أنّ الشيخ الأنصاري قدسسره اختار تعميم جريان أصالة الصحّة. ثمّ إنّه بعد أن تنزّل عن مختاره فصّل بين ما لو كان الشكّ في صحّة العقد من جهة الشكّ في بلوغ كلّ من البائع والمشتري فذهب في مثله إلى عدم جريان أصالة الصحّة ، لعدم إحراز تمام أركان العقد ، أي لعدم كون الشكّ في الصحّة الفعليّة بل الشكّ في الصحّة التأهليّة ، وبين ما إذا كان منشأ الشكّ في صحّة العقد الشكّ في بلوغ القابل مثلا مع إحراز بلوغ الموجب بدعوى أنّ جريان أصالة الصحّة في فعل الموجب تقتضي صحّة المعاملة.
ولا يخفى أنّه إن أراد من أصالة الصحّة في فعل الموجب أصالة الصحّة بالمعنى الأوّل بمعنى أنّه لم يفعل محرّما بتصرّفه في الثمن الّذي أخذه عوضا عن مثمنه ، فلا إشكال في ذلك ، ولذا لا يحكم بفسق مثل هذا الشخص ، ولكن ذلك لا يجدي في ترتّب الأثر الّذي هو المقصود من أصالة الصحّة بحيث يجوز لنا شراء ذلك الثمن من البائع والمثمن من المشتري.
وإن أراد من أصالة الصحّة ترتيب الآثار فلا يترتّب على الإيجاب إلّا أصالة الصحّة فيه نفسه ، بمعنى أنّه لو انضمّ إليه قبول من بالغ لكان له أثر مترتّب ولا يحقّق
__________________
(١) انظر الفرائد ٣ : ٣٦٠.