أنّ القبول قد وقع من بالغ ، وحينئذ فلا تجري أصالة الصحّة في العقد ، إذ هي مترتّبة على صحّة الإيجاب مع القبول ، وصحّة القبول هنا غير متحقّقة. وكذا الكلام إذا كانت الصحّة التأهليّة تتوقّف على أزيد من الإيجاب والقبول ، كالقبض في الهبة مثلا فحيث يشكّ فيه لا تجري أصالة الصحّة في الهبة ، لأنّ الشكّ في الصحّة التأهليّة.
ومن هنا وقع النزاع في الفرع المعروف بينهم من أنّه لو أذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة ، ثمّ رجع وشكّ في كون رجوعه كان قبل البيع ليقع البيع فاسدا أو بعده ليقع البيع صحيحا ، ذهب جماعة إلى إجراء أصالة الصحّة في الإذن فصحّحوا البيع بذلك ، وآخرون إلى إجراء أصالة الصحّة في الرجوع فحكموا بإفساد البيع ، وآخرون إلى إجراء أصالة الصحّة في البيع (١). ولا يخفى أنّ أصالة الصحّة في الإذن والرجوع إنّما هو بمعنى أنّ البيع لو وقع بعد الاذن وقبل الرجوع لصحّ ، وليس معناه أنّ البيع قد وقع قبل الرجوع ، وكذا صحّة الرجوع معناه أنّ البيع لو وقع بعده لما أثّر ولا يثبت وقوعه بعده.
وبعبارة أوضح أصالة الصحّة إنّما تثبت الصحّة التأهليّة ولا تثبت بها الصحّة الفعليّة. وأمّا أصالة الصحّة في البيع نفسه فلا يجري ، لأنّ الصحّة التأهليّة فيه غير محرزة ؛ لأنّ البيع الصحيح فيه ما كان مع الإذن والإيجاب والقبول ، والمفروض الشكّ في الإذن فلا تجري أصالة الصحّة. نعم يمكن تصحيح البيع بالأصل الموضوعي كما في جميع الموضوعات المركّبة ، فإنّ جزء الموضوع وهو البيع محرز بالوجدان والإذن محرز بالاستصحاب ، ولا يعتبر في صحّة البيع إلّا البيع والإذن بمعنى تحقّقهما في الوجود الخارجي وقد تحقّق ، فيترتّب عليه صحّة البيع ولكن لا بأصالة الصحّة.
الأمر السادس : قد عرفت أنّ أصالة الصحّة ليس لها دليل لفظي كي يتمسّك بإطلاقه وإنّما مدركها السيرة العمليّة ، فلا يخفى عليك أنّ السيرة العمليّة إنّما قامت
__________________
(١) انظر المبسوط ٢ : ٢١٠ ، والقواعد : ١٢٩ ، ومفتاح الكرامة ٥ : ٢١٦ ، والجواهر ٢٥ : ٢٦٧.