حيث يحرز كون المكلّف في مقام إيجاد العمل ، أمّا حيث لا يحرز أنّه في مقام إيجاد العمل فلا. بيان ذلك أنّ جملة من الأعمال قوامها القصد وهي نوعان : قسم ليس لها ذات خارجيّة زيادة على القصد كالتعظيم لزيد والإهانة لعمرو ، وقسم لا بدّ من قصد ذاتها في تحقّق العمل كالصلاة مثلا فإنّها لا بدّ فيها من القصد ، ضرورة أنّ صلاة الظهر والعصر والعشاء إنّما يتميّزان بالقصد قطعا ، وكذا الوجوب والنفل والقضاء والأداء وكونها عنه أو عن الغير وغير ذلك.
نعم لو أحرزنا أنّه في مقام صلاة الظهر مثلا ثمّ شككنا في كونها صحيحة مثلا لاحتمال جنابته وجهله بها فلنا بأصالة الصحّة ترتيب آثار الصحّة كالصلاة خلفه بتلك الصلاة حيث يكون عادلا وغير ذلك ، أمّا إذا لم نحرز أنّها صلاة ظهر أو نافلة فليس لنا ترتيب آثار صلاة الظهر بأصالة الصحّة.
ومن هنا ظهر أنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري ـ من كون المصلّي عن الغير له ناحيتان ؛ الاولى ناحية كونه نائبا وعليها يترتّب حكمه من ناحية الجهر والإخفات لو كان رجلا والمنوب عنه امرأة وغيرها من النواحي الخاصّة به ، وناحية كون العمل للغير وهي ناحية القصر والإتمام وأشباهها ، فمن الأولى تجري أصالة الصحّة ويترتّب عليها استحقاق الاجرة ، ومن الثانية لا تجري فلا يحكم ببراءة ذمّة الميّت (١) ـ غريب غاية الغرابة من مثله ، فإنّه لو احرز أنّه في مقام النيابة عن الغير تجري أصالة الصحّة في الطرفين وإلّا فلا تجري في الطرفين ، ووجهه يعلم ممّا ذكرناه (فإنّه إنّما يستحقّ الاجرة إذا عمل عن الميت العمل الصحيح لا أنّه عمل عملا صحيحا وإن لم يكن عن الميّت ، وإذا عمل العمل الصحيح عن الميّت برئت ذمّته فلا تفكيك) (٢).
__________________
(١) انظر الفرائد ٣ : ٣٦٥ ـ ٣٧٠.
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.