وينهى حيث يقتضي الملاك النهي ، بل لو كان المولى ممّن يجوز في حقّه الاشتباه وأمر بشيء واطّلع المأمور على اشتباهه فليس له إلّا أنّ يمتثل ، إذ ليس وظيفة العبد إلّا امتثال أوامر المولى وليس شأنه إدراك الملاكات أصلا. وبالجملة ، فالكلام في التزاحم ليس المقصود منه هذا المعنى كما يدور على ألسنة بعض المعاصرين (١).
وقد يطلق التزاحم على التزاحم في مقام الامتثال ، كما إذا أمر المولى بشيء ونهى عن آخر ، وكان إتيان الأوّل يستلزم إتيان الثاني ، والفرق بينه وبين التعارض حينئذ ظاهر ، فإنّ التعارض تكاذب الدليلين بحيث لا يمكن صدورهما معا من المولى الحكيم ، بل لا بدّ من صدور أحدهما وعدم صدور الآخر ، وهذا بخلاف التزاحم فإنّ صدور الأمرين بشيئين ليس فيه محذور أصلا ، وإنّما يقع التزاحم في مقام الامتثال ، إذ امتثال أحدهما يقتضي طرح الآخر ، مثلا إذا أمرنا بإنقاذ الغريق وكان هناك غريقان لا يمكن إلّا إنقاذ أحدهما فهنا يقع التزاحم.
وبالجملة ، ففي التزاحم التكليفان محقّقان وإنّما يتزاحمان في الامتثال لعدم قدرة المكلّف عليهما معا ، وهذا ظاهر على ما اخترناه من كون القدرة من شرائط حكم العقل بالامتثال. وأمّا بناء على كونها من الشرائط العامّة للتكليف كما هو المشهور كالبلوغ والعقل فلا تكليف حيث لا قدرة ، حيث إنّ التكليف يدور مدار موضوعه والقدرة من قيود الموضوع ، إلّا أنّه أيضا لا ينافي الجعل للحكمين على تقدير وجود موضوعهما فيتحقّق حينئذ التزاحم في مقام الامتثال ، وهذا بحسب الظاهر واضح.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه متى كان التنافي بين الجعلين فهو من التعارض ، ومتى كان التنافي من جهة عدم قدرة المكلّف على الامتثال فهو التزاحم ، ولكنّ الميرزا النائيني قدسسره زعم أنّ التزاحم في الغالب يكون منشؤه عدم قدرة المكلّف على الامتثال وإلّا فقد يكون منشؤه العلم بعدم الجعل أيضا ، كما لو ملك شخص في أوّل محرّم خمسا
__________________
(١) انظر نهاية الأفكار ٤ : ١٢٦ ـ ١٢٧.