الامتثال يقع التزاحم فيهما في مقام الامتثال ، وحيث إنّ القدرة عليهما معا مفقودة فلا ريب في كون الوجوب فيهما بنحو الوجوب التخييري لئلّا يفوت كلا الملاكين ، فيخيّره المولى ليحصل أحدهما حيث لا يمكنه تحصيلهما معا لعدم القدرة ، وحينئذ يتخيّر المكلّف بينهما حينئذ إذ لا مرجّح ، لأنّ المحقّق للمصلحة فيهما ملاك واحد وهو كونهما مؤدّى الأمارة الثابتة حجّيتها وهو موجود فيهما على السويّة وليس الاعتبار بالمدلول ليكون الترجيح بأهميّته مثلا.
فكلام الشيخ (١) ومن تبعه (٢) في أنّه على السببيّة يكون من باب التزاحم تامّ في خصوص هذا الفرض إلّا أنّه لا بدّ من التخيير ولا مجال للترجيح ، على أنّه يمكن عدم تماميّة التزاحم حتّى فيه أيضا لأنّ الأمارة القائمة على وجوب القيام تحدث مصلحة في القيام وينفيها عن غيره وهو القعود ومثلها أمارة القعود فيؤول إلى جعل النقيضين فيتعارض.
وهذا بخلاف ما لو لم يكن للضدّين ثالث أو كان من قبيل إيجاب النقيضين أو إخبارا عنهما فإنّه لا يمكن أن يشملهما دليل التعبّد لاستحالته ، ولا يمكن إيجاب أحدهما بخصوصه لعدم المرجّح ، ولا التخيير لكونه تحصيلا للحاصل ، ضرورة استحالة خلوّ المكلّف عنهما معا فالتكليف بأحدهما تخييرا طلب للحاصل. إلّا أن يلتزم بكون جميع التكاليف المطلوب بها هو الالتزام الّذي هو أمر قلبي وترتيب العمل على طبقها من لوازم ذلك ، فحينئذ لا يكون طلبا للحاصل ، لإمكان خلوّه عن كلا الالتزامين معا فلا يكون التكليف بأحدهما حينئذ طلبا للحاصل ، لكنّ المبنى باطل ، مضافا إلى بطلان أصل السببيّة ، فهو باطل في باطل.
__________________
(١) انظر الفرائد ٤ : ٣٧.
(٢) نهاية الأفكار ٤ (الجزء الثاني) : ١٨٠ ـ ١٨١.