أو بقاء كما هو قول المعتزلة (١) القائلة بثبوت حكم واقعا غير أنّ قيام الأمارة على خلافه توجب قلبه ، إلّا أنّها مشتركة في التصويب ودوران الحكم مدار مؤدّى الأمارة واقعا.
وحينئذ فالدليلان المتعارضان يتصوّران بنحوين ، ضرورة أنّ القول بالسببيّة إمّا أن يكون بنحو يكون قيام الأمارة على شيء موجبا لتعنون ذلك الشيء بعنوان ثانوي نظير القصر والإتمام والتقيّة والعسر والحرج والضرر وغير ذلك ، فيكون قيام الأمارة موجبا لمصلحة في نفس العمل من جهة قيام الأمارة ، أو يكون العنوان الثانوي قائما بإيجاب المولى بحيث يكون قيام الأمارة مثلا على وجوب شيء موجبا لجعل المولى وجوبه بحيث يكون في جعله مصلحة وإن خلا المجعول عنها.
أمّا بناء على السببيّة الأشعرية والمعتزلة بالنحو الأوّل ـ يعني بالنحو الموجب لتعنون الفعل بالعنوان الثانوي نظير السفر والحضر ـ فتارة يكون الإيجاب مثلا لضدّين لهما ثالث ، واخرى لا يكون كذلك ، سواء كان إيجابا لضدّين ليس لهما ثالث كالأمر بالحركة والسكون ، أو إيجابا لنقيضين كالفعل والترك أو إخبارا عن متناقضين (*) ، فإن كان من قبيل الايجاب للضدّين اللذين لهما ثالث فلا ريب في وقوع التزاحم بين هذين الضدّين ، إذ إيجاب القعود لمصلحة فيه وإيجاب القيام أيضا لمصلحة فيه ، فهاتان المصلحتان حيث إنّ كلّا منهما مشروطة بالقدرة في مقام
__________________
(١) انظر فوائد الاصول (١ و ٢) : ٢٥٢.
(*) أقول : لا يخفى أنّ هذا الكلام بأسره غير تامّ ، لأنّ السببيّة الّتي يقول بها المخالفون إنّما هي بالنسبة إلى مؤدّى الدليل الّذي تمّت حجّيته ، وأمّا ما لم تتمّ حجّيته في فرض التعارض كما إذا كان الدليل بناء العقلاء ولم يقم في فرض التعارض فلا سببيّة حينئذ عندهم ، ولا فرق بين السببيّة عندنا وعندهم ، (الجواهري).
قد ذكرنا هذه الملاحظة للأستاذ في دورته الثانية فاستحسنها وارتضاها وقرّرها. (الجواهري).