الثوب نجاسة ذلك البول الّذي أصابه فليس مخبرا بكلّي النجاسة ، فإذا انتفت إصابة البول انتفت النجاسة المستندة إليها ومقامنا أيضا كذلك ، فإنّ الدليل الدالّ على الوجوب مثلا إنّما ينفي الإباحة والكراهة والاستحباب المجامعة للوجوب ، والدليل الدالّ على التحريم إنّما ينفي الثلاثة الملازمة للتحريم ، فإذا انتفى الوجوب والتحريم انتفت لوازمهما وهو نفي الأحكام الأخر. فالحقّ أنّ المتعارضين وجودهما كعدمهما ، فيجوز الرجوع فيهما إلى الأصل وإن كان مؤدّاه مخالفا لهما ، فافهم وتأمل.
هذا كلّه على الطريقيّة فإنّه بناء عليها لا يكون دليل الحجّية شاملا للمتعارضين المتكاذبين ، لاستحالة شموله لهما معا ، وشموله لأحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجّح ، هذا حيث يكون للدليل إطلاق ، وأمّا حيث يكون دليل الحجّية هو الإجماع وبناء العقلاء فكذلك ، إذ بناء العقلاء لم يستقرّ في المتناقضين لعين ما ذكر في الدليل اللفظي ، وهذا على الطريقيّة واضح ، وأمّا بناء على السببيّة فقد يقال بالتزاحم بين الدليلين المتعارضين لقيام المصلحة بهما معا.
والتحقيق أن يقال : إنّ السببيّة أوّلا لا نقول بها ، وعلى تقدير القول بها دفعا لشبهة ابن قبة فالسببيّة لها معنيان :
أحدهما : سببيّة الإماميّة وهي عبارة عن الالتزام بالمصلحة السلوكيّة في الأمارة الّتي دلّ دليل الشارع على الالتزام بها ، وهي مصلحة في تطبيق العمل على طبقها بمقدار يكون الفائت من مصلحة الواقع متداركا بها على اختلاف كميّة الفوات ، فإن اريد بها هذه السببيّة فمعلوم أنّها إنّما يلتزم بها الإماميّة بعد شمول دليل الحجّية لكلا الدليلين ، وأمّا لو لم يشملهما دليل الحجّية فلا ، والمفروض أنّ المتعارضين لم يشملهما دليل الحجّية.
الثاني : السببيّة المشتركة بين المعتزلة والأشاعرة وهي القول بدوران الحكم مدار الأمارة حدوثا ـ كما هو قول الأشاعرة (١) فقبل قيام الأمارة لا حكم شرعا ـ
__________________
(١) انظر فوائد الاصول (١ و ٢) : ٢٥٢.