وقد اشكل عليه بأنّ القلّة والكثرة لا تأثير لها في الترجيح. وربّما وجّه الاستدلال بأنّ الكثرة في التخصيص والقلّة في النسخ توجب في الدليل ظهورا في دوام الحكم فيضعف احتمال التخصيص لكون الظاهر هو التخصيص فيتقدّم التخصيص للظهور.
وللميرزا النائيني كلام في ظهور الحكم في الدوام والاستمرار وقد أنكره واستند في إثبات استمرار الحكم إلى أصالة عدم التخصيص (١) وبما أنّها أصل عملي فيتقدّم العموم عليه حينئذ لو جرت أصالته لكونه لفظيّا رافعا لموضوع الأصل العملي.
ولا يخفى عليك أنّه يمكن استفادة العموم الأزماني للحكم من نفس دليله ، فمثل «اجتنب الخمر» كما ينحلّ إلى الأفراد العرضيّة كذلك ينحلّ إلى الأفراد الطوليّة ، وهذا هو معنى الاستمرار.
(كما ذكر ثانيا أنّ مدخول أداة العموم لا يدلّ على العموم إلّا بعد إجراء مقدّمات الحكمة الّتي منها عدم البيان ، والخاصّ يصلح أن يكون بيانا وقد تقدّم جوابه) (٢).
والظاهر أنّ الخوض في هذا المبحث معدوم الثمرة كلّية ، فإنّ مناط النسخ إنّما هو التأخّر عن المنسوخ في مقام الثبوت لا في مقام الإثبات ، ومقام الثبوت مجهول فيه المتقدّم والمتأخّر ، لأنّ قول الأمير عليهالسلام كقول الصادق في أنّه إخبار عن الحكم الثابت زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله. فدوران الأمر بين تقدّم الخاصّ فيكون مخصّصا وناسخيّة العامّ المتأخّر إنّما هو حيث يتقدّم ثبوتا ويتأخّر العامّ واقعا لا في مقام الإثبات وبيان الحكم ، فإنّ مقام الإثبات أجنبيّ عن النسخ والتخصيص معا ، وحينئذ فيقدّم التخصيص ، لأنّه وإن تأخّر في مقام الإثبات لكنّه إخبار عن متقدّم في مقام الثبوت فهو تخصيص وليس نسخا ، وتأخير البيان عن وقت الخطاب بل عن وقت الحاجة
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٤ : ٢٩٥.
(٢) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.