ولا يخفى عليك ما فيهما :
أمّا الأوّل فإنّ إطلاق الأمر بالتخيير في الأخذ لمن جاءه الحديثان ، والحديثان قد جاءا أوّل مرّة ولم يجيئا مرّة ثانية.
وبعبارة اخرى إنّما يخاطب بالأخذ بإحدى الروايتين المتعارضتين من لم يكن آخذا. أمّا من أخذ فلا يخاطب بالأخذ ، وأمّا الاستصحاب فهو على عكس المطلوب أدلّ ، إذ إنّه قبل الاختيار ليس أحدهما حجّة ، وحيثما اختار إحداهما صارت هي الحجّة في حقّه وخرجت الاخرى عن الحجّية فيستصحب ذلك ، فافهم وتأمّل.
بقي الكلام في شيء كان حقّه هو التقديم لكنّه تأخّر سهوا ، وهو أنّ الترجيح بهذه المرجّحات (تخييري أو ترتيبي ، وعلى الثاني فترتيبه بأيّ نحو من الأنحاء) (١) ، قد ذكر الآخوند بعد تسليم لزوم الترجيح بالمرجّحات أنّها لا ترتيب فيها وإنّما هي لبيان المرجّحات وليس الأخبار ناظرة إلى تقديم بعضها على بعض (٢).
ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ ظاهر قوله : «فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه» (٣) بإطلاقه شامل لما إذا كان الثاني مخالفا للعامّة. فدعوى أنّها لا تقديم فيها لبعض على بعض مناف لقوله : «فإن لم تجدوه في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامّة» فإنّ ظاهره كونه في الرتبة الثانية.
وذكر الوحيد البهبهاني على ما نسب إليه (٤) أنّ المرجّحات الجهتيّة تتقدّم على غيرها فأوّل ما يلاحظ أن لا تكون موافقة للعامّة ، فإنّها إذا كانت إحداهما موافقة للعامّة فنحن نقطع أنّها لم تصدر أو صدرت تقيّة (٥).
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات الدورة الثانية.
(٢) انظر الكفاية : ٥١٧.
(٣) الوسائل ١٨ : ٨٤ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩.
(٤) نسبه إليه صاحب الكفاية ، انظر الكفاية ٥١٨.
(٥) انظر الفوائد الحائريّة : ٢٢٠.