ومنها : الصرف ، بأن يعرف مباني الأفعال مثل الماضي منه والمضارع والمجرّد والمزيد وغيرها ، إلّا أن يكون عربيّا يستطيع بذوقه معرفة ذلك كلّه.
ومنها : أن يعرف النحو بمقدار يميّز بين الفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر ، لتوقّف المعنى المتحصّل من الجملة عليه أيضا.
ومنها : أن يعرف الرجال ، أمّا بناء على اعتبار التزكية بعدلين في صحّة الخبر فواضح ، وأمّا بناء على كفاية الخبر الموثّق والمشهور الّذي عمل به الأكثر فلوجود مسائل لم يتعرّض لها المتقدّمون فلا بدّ من معرفة رواة حديثها ، فلا بدّ من معرفة الرجال في الجملة.
ومنها : أن يعرف المباني الاصوليّة بالاجتهاد لا بالتقليد ، مثل كون الأمر للوجوب أم لا ، وكون النهي للتحريم أم لا ، وكون الجملة الشرطيّة لها مفهوم أم لا ، وكون العموم حجّة إذا خصّ في الباقي أم لا ، وغير ذلك من مباحث الألفاظ ، وكون الظواهر حجّة أم لا ، وكون الخبر الواحد حجّة أم لا ، وكون الشهرة أو الإجماع المنقول أو الاستقراء أو الأولويّة حجّة أم لا ، وغير ذلك من بحث الحجج ، وكون المورد إذا خلا من الأدلّة فهل يرجع إلى البراءة أو الاستصحاب أو التخيير أو الاحتياط؟ كلّ ذلك بالدليل الاجتهادي الاستنباطي لا تقليدا.
والعمدة من هذه المقدّمات والمبادئ هو علم الاصول ، فإنّه ليس حكم من الأحكام إلّا ويتوقّف على مسألة اصوليّة أو أكثر. وتدوين المسائل الاصوليّة في كتب مستقلّة ليس بدعة في الدين كما ذكره بعض الأخباريّين (١) فإنّه لا فرق بين أن يدوّن مقدّمة في الكتاب الفقهي وبين أن يدوّن مستقلّا.
هذا تمام الكلام في المبادئ الّتي يتوقّف الاجتهاد عليها في هذه الأزمان.
ويقع الكلام الآن في مسألة التخطئة والتصويب ، ونحن وإن أشبعنا الكلام فيها سابقا نشير إليها.
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ٢ ـ ٤ ، وهداية الأبرار : ١٨٠.