ما يمكن اعتباره في الإطاعة الّتي هي حكم عقلي يستقلّ بها العقل ، وحينئذ ففي مثل المقام يحتمل دخل معرفة الواجب تفصيلا في الامتثال والإطاعة عقلا ، فلا بدّ من الإتيان به تفصيلا ولا يكفي الإتيان به رجاء أصلا.
والجواب منع كون التحرّك عن الإرادة مقدّم على التحرّك عن احتمالها بل هما سواء ، وذلك من جهة أنّ الإطاعة وان كانت بحكم العقل إلّا أنّ معنى كونها بحكم العقل إدراكه حسن الإتيان بالمأمور به ، وأمّا أنّه هل اعتبر في المأمور به أن يكون معلوما تفصيلا أم لم يعتبر؟ فهو من كيفيّات الإطاعة شرعا ، فالعقل لا مدخل له إلّا في إدراك حسن الإطاعة الّتي هي إتيان المأمور به سواء في التوصّليّات أو في التعبّديّات ، وأمّا كيفيّة الإتيان فأمر شرعي ، وحيث لم يعتبر الشارع المقدّس في إتيان المأمور به العبادي إلّا أن يكون متقرّبا به إلى المولى ومسندا إليه كما دلّت عليه رواية الوضوء (١) الدالّة على اعتبار كونه بنيّة صالحة كما مرّ ، فاعتبار غير التقرّب ـ كالتمييز والوجه ـ منفيّ قطعا لا أقلّ من أنّه مشكوك فيه فيجرى فيه البراءة الشرعيّة ، لإمكان اعتباره شرعا بالأمر الثاني المتمّم للجعل على رأيه قدسسره. وحينئذ فيجوز الاحتياط قطعا وإن أمكن العلم التفصيلي ، فافهم.
هذا كلّه في العبادات الاستقلاليّة.
وأمّا العبادات الضمنيّة كالشكّ في الأجزاء والشرائط فهي أيضا تارة يقع الكلام في ما شكّ في كون الأمر المتوجّه به إلزاميّا أم استحبابيّا ، واخرى في أصل توجّه الأمر به وعدمه.
أمّا الكلام في الاحتياط في الأوّل فلا ريب في جواز الاحتياط فيه والإتيان بذلك الجزء المردّد أمره بين كونه واجبا أو مستحبّا ، لأنّ من اعتبر قصد الوجه إنّما اعتبره في مجموع العمل لا في الأجزاء ، والمطلوب في العمل العبادي
__________________
(١) انظر الوسائل ١ : ٢٦٨ ، الباب ١١ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.