____________________________________
ولذا لم نر من تعرّض لهذه المسألة في باب البراءة ، وإنّما كان محلّ تعرضهم باب الاجتهاد والتقليد ، وكيف كان فشرح الحال في المسألة يقتضي رسم امور :
الأوّل : إنّ لهم فيها عنوانين :
أحدهما : إنّ تارك طريقي الاجتهاد والتقليد عمله باطل ، كما في كلام بعضهم.
والثاني : إنّ الجاهل بالحكم غير معذور ، كما في كلام الآخرين.
وربّما يتوهّم أنّ أحد العنوانين عبارة اخرى عن الآخر وهو بمعزل عن التحقيق ، كيف والثاني أعمّ من الأوّل.
فإنّ الأوّل مختصّ بالعبادات والمعاملات حيث كان فيهما مسرح للصحّة والبطلان ، ولا يأتي في باب المحرّمات مثل حرمة الغيبة وشرب الخمر واللواط والزنا إلى غير ذلك ممّا لا مسرح لهما فيه.
وهذا بخلاف الثاني ، فإنّه يعمّ جميع أبواب الفقه ، وحيث كان الثاني أشمل فهو أولى بأن نجعل العنوان فيه ، فإنّ البحث عنه يغنينا عن الأوّل ، بخلاف العكس.
الثاني : إنّ المراد بالجاهل المأخوذ في العنوان ليس معناه اللغوي ، بل من لم يعلم بالحكم الواقعي من طرقه الواقعيّة كالاجتهاد والتقليد ، فيشمل ـ حينئذ ـ من حصل له العلم بالواقع من قول أبويه أو معلّمه مع إصابتهم الواقع.
والدليل على هذا التعميم وقوع هذا القسم أيضا بمحلّ الخلاف ، ولا ينافي ذلك ـ أعني : كون المراد بالجاهل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ـ ما تقدّم من كون الثاني أعمّ ؛ لأنّ التعميم الثابت من طرف المحمول لا ينافي الاتحاد في الموضوع.
وإذا عرفت معنى الجاهل فاعلم إنّه إمّا أن يكون له التفات إلى الحكم الشرعي أم لا ، بل يكون غافلا عنه ، وعلى الأوّل ؛ إمّا أن يكون جازما به أو متردّدا فيه فالأقسام ثلاثة.
وأمّا المتردّد فتحته أيضا صور ؛ لأنّه بالنسبة إلى حكم السؤال ؛ إمّا أن يكون له التفات إليه أم لا ، بل يكون غافلا عنه ، وعلى الأخير ؛ فإمّا أن يكون في سابق زمانه هذا له التفات إليه أم لا ، بل كان من أوّل الأمر غافلا عنه ، وعلى الأوّل ؛ فإمّا أن يكون حال الالتفات عالما به ، أو متردّدا.