ومن أنّ الواقع إذا كان في علم الله سبحانه غير ممكن الوصول إليه وكان هنا طريق مجعول مؤدّاه بدلا عنه ، فالمكلّف به هو مؤدّى الطريق دون الواقع على ما هو عليه ، فكيف يعاقب الله سبحانه على شرب العصير من يعلم أنّه لم يعثر بعد الفحص على دليل حرمته؟
ومن أنّ كلّا من الواقع ومؤدّى الطريق تكليف واقعي. أمّا إذا كان التكليف ثابتا في الواقع ، فلأنّه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط وعلى إسقاطه عن نفسه بالرجوع إلى الطريق الشرعي المفروض دلالته على نفي التكليف ، فإذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من
____________________________________
وجود الطريق المخالف للحكم الواقعي في الواقع لا يجدي في المعذوريّة ، كما في بحر الفوائد.
إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ الجاهل العامل بالبراءة قبل الفحص لم يتوفر فيه إحدى هاتين الحالتين ؛ إمّا لعدم كونه من الصنف الأوّل فلا يحتاج إلى البيان ، إذ المفروض عدم كونه متفحّصا عن الدليل ، وإمّا لعدم كونه من الصنف الثاني ، فمن جهة أنّ المفروض عدم كون مخالفته مستندة إلى الطريق المعتبر شرعا ، وذلك لعدم عثوره عليه ، (وليس التكليف بالطرق الظاهريّة إلّا من عثر عليها).
والمفروض في المقام عدم عثوره عليها ، فيعاقب حينئذ على شرب العصير العنبي المحرّم واقعا ، كما في المثال المذكور في المتن ، وقد أشار المصنّف قدسسره إلى تعليل الوجه الثاني بقوله :
(ومن أنّ الواقع إذا كان في علم الله سبحانه غير ممكن الوصول إليه وكان هنا طريق مجعول مؤدّاه بدلا عنه).
وحاصل التعليل كما في بحر الفوائد : إنّ هذا الوجه مبني على منع تنجّز التكليف بالواقع الذي ليس هناك طريق في علم الله لمعرفته ، وإنّما المنجّز في حقّه مفاد الطريق الذي يعثر عليه بعد الفحص في علم الله ، حيث إنّ مفاده حكم شرعي إلهي وإن كان ظاهريّا ، ولا فرق في وجوب الإطاعة في الأحكام الإلزاميّة بين الواقعيّة والظاهريّة ، فيعاقب حينئذ على مخالفة الطريق المعتبر شرعا ، وأشار المصنّف قدسسره إلى تعليل الوجه الثالث بقوله :
(ومن أنّ كلّا من الواقع ومؤدّى الطريق تكليف واقعي ... إلى آخره).