ويختلف ذلك باختلاف الأعصار ، فإنّ في زماننا هذا إذا ظنّ المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة في الحديث التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر ، على وجه صار مأيوسا ، كفى ذلك منه في إجراء البراءة.
أمّا عدم وجوب الزائد ، فللزوم الحرج وتعطيل استعلام سائر التكاليف ، لأنّ انتهاء الفحص في واقعة إلى حدّ يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطّلاع على دليل التكليف في غيرها من الوقائع ، فيجب فيها إمّا الاحتياط وهو يؤدّي إلى العسر ، وإمّا لزوم التقليد لمن بذل فيها جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها ، وجوازه ممنوع ، لأنّ هذا المجتهد المتفحّص ربّما يخطّئ ذلك المجتهد في كثير من مقدّمات استنباطه للمسألة.
____________________________________
(ويختلف ذلك باختلاف الأعصار) ، بل بالنسبة إلى شخص واحد في وقتين ، في وقت وجدان الكتب ، وفقدانها ، كما في التنكابني.
(وأمّا عدم وجوب الزائد) عن اليأس عن وجدان الدليل وهو العلم بعدم الدليل ، فيما بأيدينا من الأدلّة فلأحد وجهين :
الأوّل : عدم المقتضي لتحصيل العلم بعدم الدليل ، لأنّ عمدة أدلّة وجوب الفحص هو الإجماع والمتيقّن منه وجوب الفحص لغير الميئوس ، والعقل أيضا يحكم مستقلّا بكفاية اليأس ، كما تشهد به طريقة العقلاء.
نعم لو تمّ الاستدلال على وجوب الفحص بالعلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات كما مرّ ، فمقتضاه وإن كان وجوب الفحص إلى حدّ العلم بعدم الدليل ، كما في شرح الاعتمادي ، إلّا أنّ هناك مانع عنه أشار إليه قدسسره بقوله :
(فللزوم الحرج ... إلى آخره).
هذا هو الوجه الثاني لعدم وجوب الزائد عن اليأس في حدّ الفحص ، وقال المرحوم غلام رضا قدسسره في شرح قول المصنّف قدسسره في المقام ما هذا نصّه :
أقول : إنّ النسبة بين الظنّ واليأس عموم من وجه ، لأنّه ربّما كان ظانّا بعدم الدليل لكنّه ليس بميئوس عن الظفر به ، واخرى يرى من نفسه اليأس عن الظفر عليه بعد الفحص في الجملة ، لكنّ عدمه لم يأت بمقام الظنّ. إذا عرفت ذلك فنقول :