لكن فيه : إنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدسسره في أوّل كتابه ـ : «إن اخذ من العقل كان داخلا في الدليل العقلي ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة» ، وعلى كلّ تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره ، لأنّ دليل العقل هو حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي. وليس هنا إلّا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان. والمأخوذ من السنّة ليس إلّا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.
نعم ، ذكر شارح المختصر : «إنّ معنى استصحاب الحال : إنّ الحكم الفلاني قد كان ولم
____________________________________
الاستصحاب) إلّا بما ذكره قدسسره في القوانين ، لما عرفت من أنّ الظنّ ببقاء الحكم لا يحصل إلّا أن يكون يقيني الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق.
و (لكن فيه) ، أي : في التوجيه المذكور ، مضافا إلى كونه مخالفا للأصل من وجهين :
الأوّل : إنّ الأصل في نقل لفظ من معنى إلى آخر أن يكون النقل من الكلّي إلى بعض أفراده ، لا النقل من المباين إلى المباين ، والتعريف مع التوجيه المذكور مستلزم لنقل اللفظ من المباين إلى المباين.
والثاني : إنّ الأصل في المشتقّات هو اشتراكها مع المشتقّ منه في المعنى الأصلي ، مع أنّ المشتقّات في المقام ، كاستصحب ، يستصحب ، مستصحب ، ونحوها من الألفاظ الدائرة على ألسنتهم ليست بالمعنى المذكور في التوجيه.
كما يرد على التوجيه المذكور مضافا إلى هذا الإشكال ما أشار إليه قدسسره بقوله :
(إنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدسسره في أوّل كتابه ـ : «إن اخذ من العقل كان داخلا في الدليل العقلي ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة». وعلى كلّ تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره).
لأنّ التعريف المذكور ـ وهو كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق ـ بيان لمورد حكم العقل أو الشرع ، كما لا يخفى.
نعم ، إطلاق الاستصحاب المعدود من الأدلّة على كون شيء يقيني الحصول في السابق مشكوك البقاء في الزمان اللاحق ، يكون من باب إطلاق اسم المسبّب على السبب ، لأنّ كون شيء يقيني الحصول ... إلى آخره ، سبب للظنّ بالبقاء ، فتأمّل.