وفيه : أنّ كون «من» بمعنى الباء مطلقا وبيانيّة في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.
والعجب معارضة هذا الظاهر بلزوم تقييد الشيء بناء على المعنى المشهور بما كان له أجزاء حتى يصحّ الأمر بإتيان ما استطيع منه ، ثمّ تقييده بصورة تعذّر إتيان جميعه ، ثمّ ارتكاب التخصيص فيه بإخراج ما لا تجري فيه هذه القاعدة اتفاقا ، كما في كثير من المواضع ، إذ لا يخفى أنّ التقييدين الأوّلين يستفادان من قوله : (فأتوا منه ... إلى آخره) ،
____________________________________
و «ما» مصدريّة ؛ لأنّ المعنى سيكون ـ حينئذ ـ فأتوا بالمأمور به ما دامت استطاعتكم ، فيكون النبوي ناظرا إلى اعتبار القدرة والاستطاعة في التكليف ، ولا يدلّ على وجوب الإتيان بالبعض المقدور عند تعذّر الكلّ ، كما هو المطلوب.
(وفيه : أنّ كون «من» بمعنى الباء مطلقا وبيانيّة في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد).
أمّا الأوّل : وهو كون «من» بمعنى الباء ، فلأجل كونه خلاف الموضوع له.
وأمّا الثاني : وهو كون «من» بيانيّة ، فلأنّ البيان وإن كان من جملة معاني «من» إلّا أنّه مخالف للظاهر في خصوص المقام ، إذ ليس في المقام ما يحتاج إلى البيان.
وتعجّب المصنّف قدسسره ممّا ذكره صاحب الفصول قدسسره في المقام من أنّ ظهور النبوي في المعنى المشهور يصير ضعيفا بلزوم كثرة التقدير من جهة تقييد الشيء في قوله صلىاللهعليهوآله : (إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء) ثمّ تقييده ثانيا بصورة تعذّر بعض أجزائه ، وعدم التمكّن من إتيان الجميع ثمّ ارتكاب التخصيص ثالثا بإخراج ما لا تجري فيه هذه القاعدة كالصوم مثلا ، حيث لا تجري فيه هذه القاعدة بعد تعذّر الصوم الكامل ، فلا يمكن أن يقال بوجوب الصوم المقدور ، أي : الإمساك في نصف اليوم إن لم يتمكّن من الصوم الكامل ، وهو الإمساك تمام اليوم.
والحاصل أنّ صاحب الفصول قدسسره حكم بضعف ظهور النبوي في المعنى المشهور بلزوم كثرة التقدير ولزوم التخصيص ، حيث يكون التقدير حينئذ : «إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء ولم تتمكّنوا من إتيان جميعه فأتوا بعضه المقدور ، إلّا الصوم ونحوه» كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.
ووجه تعجّب المصنّف قدسسره من كلام صاحب الفصول قدسسره هو عدم لزوم التقدير المذكور