______________________________________________________
الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان ، ـ كما صرّح به المصنّف في النّهاية ـ (١) عرفيتان ، يمتنع تصادقهما في شيء من الأفراد ، ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شيء زائد على الحوالة على العرف.
وربّما وقع في عبارات الفقهاء التنبيه على مدلولهما من غير التزام ، لكون ذلك التّنبيه ضابطا ، فتوهم من زعم أنّ مرادهم من ذلك الضّابط أنّ بينهما تصادقا في بعض الأفراد ، وبطلانه معلوم ، فإنّ تعيّن الجهر في بعض الصلوات والإخفات في بعض آخر بحيث لا يجزئ في كل من البعضين إلاّ ما عيّن له يقتضي عدم التصادق.
وما وقع في عبارة المصنّف من قبيل ما ذكرناه ، فقوله : ( أقل الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقديرا ) يريد بالقريب : من يعد كذلك عرفا وإسماعه تحقيقا ، حيث لا مانع له ، وتقديرا مع المانع كصمم أو صوت نحو الماء والهواء.
وينبغي أن يزاد فيه قيد آخر وهو تسميته جهرا عرفا ، وذلك بأن يتضمن إظهار الصوت على الوجه المعهود.
وأكثر الجهر المجزئ في القراءة ما لم يبلغ العلو المفرط ، وحدّ الإخفات إسماع نفسه تحقيقا مع عدم المانع وتقديرا معه.
ولا بدّ من زيادة قيد آخر ، وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمّن إخفاء الصوت وهمسه ، وإلاّ لصدق هذا الحدّ على الجهر ، وليس المراد إسماع نفسه خاصّة لأنّ بعض الإخفات قد يسمعه القريب ولا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا ، ولا يجزئ في الإخفات مثل حديث النّفس ، ورواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام بذلك محمولة على ما إذا كان في موضع تقيّة (٢) ، كما دلّت عليه مرسلة محمّد بن أبي حمزة ، عنه عليهالسلام (٣) ، ونبّه على ما قلناه رواية زرارة ، عن الباقر عليهالسلام قال : « لا يكتب من القراءة والدعاء الاّ ما أسمع نفسه » (٤).
__________________
(١) نهاية الأحكام ١ : ٤٧٠ ـ ٤٧١.
(٢) التهذيب ٢ : ٩٧ حديث ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ حديث ١١٩٦.
(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ حديث ٣٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٢١ حديث ١١٩٧.
(٤) الكافي ٣ : ٣١٣ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٩٧ حديث ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٠ حديث ١١٩٤.