بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى.
ثم الصالحون الّذين صرفوا أعمارهم في طاعته ، وأموالهم في مرضاته.
ويمكن أن يقال هاهنا : إنّ المنعم عليهم هم العارفون بالله. وهؤلاء إمّا أن يكونوا بالغين درجة العيان ، أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان. والأوّلون إمّا أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبا ، وهم الأنبياء ، أو لا ، فيكونون كمن يرى الشيء من بعيد ، وهم الصدّيقون. والآخرون إمّا أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة ، وهم العلماء الراسخون في العلم ، الّذين هم شهداء الله تعالى في أرضه. وإمّا أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئنّ إليها نفوسهم ، وهم الصالحون.
ووجه تسمية النبيّين بهذا الاسم أنّهم أخبروا عن الله ، ورفع قدرهم ، مشتقّ من : نبّأ ، بمعنى : أخبر ، أو نبا ينبو ، بمعنى : ارتفع.
وتسمية الصدّيقين به أنّهم المصدّقون بكلّ ما أمر الله به وبأنبيائه ، لا يدخلهم في ذلك شكّ. ويؤيّده قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) (١). أو أنّهم صدقوا في أقوالهم وأفعالهم.
وتسمية الشهداء به أنّهم شاهدون الحقّ على جهة الإخلاص ، ومقرّون به ، وداعون إليه ، وباذلون جهدهم في إظهاره حتى قتلوا. أو أنّهم شهداء الآخرة على الناس ، وإنّما يستشهدهم الله لفضلهم وشرفهم ، فهم عدول الآخرة. أو أنّ الحور العين يحضرن عندهم وقت القتل ، كما ورد في الرواية (٢). أو أن الملائكة يحضرون عندهم ، ويبشّرونهم بمراتبهم العليّة في الجنّة.
وتسمية الصالحين به أنّهم التزموا الصلاح والرشاد ، فصلحت حالهم ،
__________________
(١) الحديد : ١٩.
(٢) ورد بلفظ آخر يشبه ما ذكره في المتن ، راجع بحار الأنوار ٢٧ : ١٨٨.