وقيل : كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى ، ولا يتحرّجون من الزنا ، فقيل لهم : إن خفتم ألّا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزنا ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء.
(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) معدولة عن أعداد مكرّرة : ثنتين ثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا. وهي غير منصرفة ، للعدل والصفة ، فإنّها بنيت صفات ، وإن كانت أصولها لم تبن لها. وقيل : لما فيها من العدلين ، فإنّها معدولة باعتبار الصيغة والتكرير ، أي : عدلها عن صيغتها ، وعدلها عن تكريرها.
ونصبها على الحال من فاعل «طاب» ، تقديره : فانكحوا الطيّبات لكم معدودات هذا العدد ، ثنتين ثنتين ، وثلاثا وثلاثا ، وأربعا وأربعا.
والخطاب للجميع ، فوجب التكرير ليصيب كلّ ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الّذي أطلق له. فمعناها : الإذن لكلّ ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور ، متّفقين فيه ومختلفين ، كقولك : اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة. ولو أفردت ، بأن قيل : اثنتين وثلاث وأربع من غير تكرير ، كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع. ولو ذكرت بـ «أو» لذهب تجويز الاختلاف في العدد ، بأن لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس لهم أن يجمعوا بينها ، فيجعلوا بعض القسم على تثنية ، وبعضه على ثلاث ، وبعضه على أربع.
لا يقال : إنّ هذا العدد يؤدّي إلى جواز نكاح التسع ، فإنّ اثنتين وثلاثة وأربعة تسعة.
لأنّا نقول : إنّ من قال : دخل القوم البلد مثنى وثلاث ورباع ، لا يقتضي اجتماع الأعداد في الدخول. وأيضا لهذا العدد لفظ موضوع وهو تسع ، فالعدول عنه إلى مثنى وثلاث ورباع نوع من العيّ (١) ، جلّ كلامه سبحانه عن ذلك وتقدّس.
__________________
(١) العيّ : العجز والجهل.