وأنكر أبو علي الجبائي الوجه الأوّل ، وقال : إنّما يطلق أولوا الأمر على من له الأمر على الناس (لَعَلِمَهُ) أي : لعلم صحّته (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) يستخرجون تدابيره بتجاربهم وأنظارهم. وضمير «منهم» راجع إلى أولي الأمر.
وقيل : كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها ، فتعود هذه الإذاعة وبالا على المسلمين.
وعلى هذا معناه : لو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم حتّى يسمعوه منهم ، وتعرّفوا أنّه هل هو ممّا يذاع ، لعلم ذلك من هؤلاء الّذين يستنبطونه من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأولي الأمر ، أي : يستخرجون علمه من جهتهم.
وأصل الاستنباط إخراج النبط ، وهو الماء يخرج من البئر أوّل ما يحفر ، وإنباط الماء واستنباطه إخراجه واستخراجه ، فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) ولو لا وصول موادّ الألطاف من جهة الله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بإرسال الرسل وإنزال الكتاب.
قيل : فضل الله الإسلام ، ورحمته القرآن. وقيل : فضل الله النبيّ ، ورحمته القرآن. وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام : فضل الله ورحمته النبيّ وعليّ عليهماالسلام.
(لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) بما يلقي إليكم من الوساوس الموجبة لضعف اليقين والبصيرة ، أو بالكفر والضلال (إِلَّا قَلِيلاً) منكم ، وهم أهل البصائر النافذة ، وذوو الصدق واليقين ، الّذين تفضّل الله تعالى عليهم بعقل راجح اهتدوا به إلى الحقّ والصواب ، وعصمهم عن متابعة الشيطان بغير رسول وكتاب ، مثل قسّ بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، والبراء الشني ، وأبي ذرّ الغفاري ، ونظرائهم من طلّاب الدين أسلموا بالله ووحّدوه قبل بعثة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. أو إلّا اتّباعا قليلا على الندور.