فدك ، فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه ، فلمّا رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول (١) من الجبل وصعد ، فلمّا تلاحقوا وكبّروا كبّر ونزل وقال لهم : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، فبدر إليه أسامة فقتله واستاقوا غنمه ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) سافرتم وذهبتم للغزو (فَتَبَيَّنُوا). وقرأ حمزة والكسائي : فتثبّتوا. وهما من التفعّل بمعنى الاستفعال ، أي : اطلبوا بيان الأمر وثباته ، ولا تعجّلوا في القتل من غير رويّة.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) لمن حيّاكم بتحيّة الإسلام. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة : السّلم بغير الألف ، أي : الاستسلام والانقياد. وفسّر به السلام أيضا. (لَسْتَ مُؤْمِناً) أي : ليس لإيمانك حقيقة ، وإنّما أظهرت الإسلام خوفا من القتل.
(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تطلبون ماله الّذي هو حطام سريع النفاد.
وهو حال من الضمير في «تقولوا» مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التثبّت ، وقلّة البحث عن حال من تقتلونه. (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) أي : في مقدوره فواضل ونعم وأرزاق تغنيكم بها عن قتل رجل يظهر الإسلام لتأخذوا ماله ، إن أطعتموه فيما أمركم به.
(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي : أوّل ما دخلتم في الإسلام تفوّهتم بكلمتي الشهادة ، فحصنت بها دماؤكم وأموالكم ، من غير انتظار الاطّلاع على مواطاة قلوبكم ألسنتكم (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالاشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين.
(فَتَبَيَّنُوا) وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل الله بكم ، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنّا بأنّهم دخلوا فيه اتّقاء وخوفا ، فإنّ إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل امرئ مسلم. وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر ، وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم.
__________________
(١) العاقول : منعطف الوادي أو النهر ، أو المعوجّ منه ، أو الأرض لا يهتدى إليها.