فالملائكة على وجه التبكيت والتكذيب لهم (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) إلى قطر آخر ، كما هاجر المهاجرون إلى المدينة والحبشة؟! (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) لتركهم الواجب ، ومساعدتهم الكفّار. وهو خبر «إنّ» ، والفاء فيه لتضمّن الاسم معنى الشرط. و (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) حال من الملائكة بإضمار «قد». أو الخبر «قالوا» والعائد محذوف ، أي : قالوا لهم. وهو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها مستنتجة منها (وَساءَتْ مَصِيراً) مصيرهم ، أو جهنّم.
وفي الآية دليل على وجوب الهجرة على المكلّف في موضع لا يتمكّن فيه من إقامة دينه.
(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) استضعفهم المشركون (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) استثناء منقطع من أهل الوعيد ، لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه.
وذكر الولدان إن أريد به المماليك فظاهر. وإن أريد به الصبيان فللمبالغة في الأمر ، والإشعار بأنّهم على صدد وجوب الهجرة ، فإنّهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها ، وأنّ قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت.
(لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) صفة للمستضعفين ، أو للرجال والنساء والولدان ، إذ لا تعيين فيه ، من قبيل : ... ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... أو حال منه ، أو من المستكن فيه. واستطاعة الحيلة وجدان أسباب الهجرة وما تتوقّف عليه. واهتداء السبيل معرفة الطريق بنفسه أو بدليل.
(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) أي : لم يزل الله ذا صفح ـ بفضله ـ عن ذنوب عباده ، بترك عقوبتهم على معاصيهم (غَفُوراً) ساترا عليهم ذنوبهم ، بعفوه لهم عنها. ذكر بكلمة الإطماع ولفظ العفو إيذانا بأنّ ترك الهجرة وما يتوقّف عليه واهتداء السبيل أمر خطير ، حتى إنّ المضطرّ من حقّه أن لا يأمن ويترصّد الفرصة ، ويعلّق بها قلبه.