فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام؟! قال : أو ليس قال سبحانه في الصفا والمروة : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (١)؟ ألا ترى أنّ الطواف واجب مفروض ، لأنّ الله تعالى ذكرهما في كتابه ، وصنعهما نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكذا التقصير في السفر صنعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذكره الله في الكتاب.
قال : قلت : فمن صلّى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟
قال : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه».
وقال في كنز العرفان : «قصر الصلاة جائز إجماعا. فقال الشافعي : هو رخصة ، لقوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ). فهو من المخيّر عنده ، لكنّه قال : القصر أفضل. وقال المزني من أصحابه : الإتمام أفضل. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابنا : إنّه عزيمة. وبه قال عليّ وأهل بيته عليهمالسلام ، وابن عبّاس وجابر وابن عمر وغيرهم. ونفي الجناح لا ينافي الوجوب ، فإنّه قد استعمل في الوجوب ، كما في قوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) إلى قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٢) والطواف بهما واجب. ولما روي عن يعلى بن أميّة وقد سأل عمر : ما بالنا نقصّر وقد أمنّا؟ فقال : عجبت ممّا عجبت منه فسألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «تلك صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته» والأمر للوجوب. وغير ذلك من الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام.
وتحقيق الحال هنا أن نقول : ليس السفر والخوف شرطين على الجمع للإجماع ، ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى قصرا سفرا مع زوال الخوف. وإذا لم يكونا
__________________
(١ ، ٢) البقرة : ١٥٨.