صلاة الظهر بتمام الركوع والسجود ، فهمّ المشركون بأن يغيروا عليهم ، فقال بعضهم : إنّ لهم صلاة اخرى أحبّ إليهم من هذه ـ يعنون صلاة العصر ـ فأنزل الله عليه هذه الآية ، فصلّى بهم العصر صلاة الخوف ، وكان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) أدّيتم الصلاة حال الخوف والقتال ، وفرغتم منها (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) فدوموا على الذكر مهلّلين مكبّرين مسبّحين حامدين في جميع الأحوال ، لعلّه سبحانه لأجل كثرة ذكركم ينصركم على عدوّكم ، ويظفركم بهم. وهذا مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١).
وهذا التفسير منقول عن ابن عبّاس وكثير من المفسّرين. وعن ابن مسعود أنّه قال عقيب تفسير الآية : «لم يعذر الله أحدا في ترك ذكره إلّا المغلوب على عقله».
وقيل : معناه إذا أردتم أداء الصلاة واشتدّ الخوف فصلّوها كيف ما أمكن ، قياما مسايفين ومقارعين ، وقعودا جاثين (٢) على الرّكب مرامين ، وعلى جنوبكم مثخنين بالجراح.
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) سكنت قلوبكم من الخوف في أوطانكم وأمصاركم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فعدّلوا واحفظوا أركانها وشرائطها ، وأتوا بها تامّة (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) فرضا محدود الأوقات ، لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال. وهذا دليل على أنّ المراد بالذكر الصلاة ، فإنّها واجبة الأداء حال المسايفة والاضطراب في المعركة ، وتعليل للأمر بالإتيان بها كيف ما
__________________
(١) الأنفال : ٤٥.
(٢) جثا يجثو جثوّا : جلس على ركبتيه ، فهو جاث.