والثالث : أنّه في غاية العداوة والسعي في إهلاكهم ، وموالاة من هذا شأنه غاية الضلال ، فضلا عن عبادته.
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الحقّ. وإضلاله دعاؤه إلى الضلالة ، وتسبيبه له بحبائله وغروره ووسوسته. (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الأماني الباطلة ، كطول البقاء في الدنيا ، وطول الأمل فيها ، وتزيينها في نظرهم ، وأن لا بعث ولا عقاب (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) يشقّونها ، لتحريم ما أحلّه الله.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام معناه : «وليقطّعنّ الآذان من أصولها».
وهو عبارة عمّا كانت العرب تفعل بالبحائر (١) ، فإنّهم كانوا يشقّون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا ، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها. وسنذكر تفصيل ذلك في سورة المائدة (٢) إن شاء الله تعالى.
(وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) عن وجهه صورة أو صفة. ويندرج فيه ما قيل : من فقء عين الحامي (٣) وإعفائه عن الركوب ، وخصاء العبيد ، والوشم (٤) والوشر ، واللواط والسحق ونحوهما ، وعبادة الشمس والقمر ، وتغيير فطرة الله الّتي هي الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ، ولا يوجب لها من الله زلفى. وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا ، لكن الفقهاء رخّصوا في خصاء البهائم للحاجة. والجمل الأربع حكاية عمّا ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا.
عن ابن عبّاس ومجاهد والحسن وقتادة : معنى خلق الله : دين الله وأمره.
__________________
(١) جمع بحيرة ، وبحر الناقة : شقّ أذنها.
(٢) راجع ص : ٣٣٢.
(٣) الحامي : الفحل من الإبل الذي طال مكثه عندهم.
(٤) وشم اليد : غرزها بإبرة ثم ذرّ عليها النيلج ، فصار فيها رسوم وخطوط. والوشر : أن تحدّد المرأة أسنانها وترقّقها.