جواب «إذا» المتضمّنة معنى الشرط ، والجملة غاية الابتلاء ، كأنّه قيل : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم ، بشرط إيناس الرشد منهم.
وهو دليل على أنّه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد ، خلافا لأبي حنيفة حيث قال : يزاد على زمان البلوغ سبع سنين ثم يعطى ما لهم ، رشدوا أم لا.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم وبداركم كبرهم. والأولى أنّهما مصدران ، لأنّهما نوعان للأكل ، لا أنّهما مفعول له ، لأنّ الشيء لا يعلّل بنوعيه.
(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) فليعفّ ، كـ : استقرّ بمعنى : قرّ ، أي : فليمتنع عن أكل مال اليتيم ، ويقتنع بما رزقه الله من الغنى ، إشفاقا على اليتيم ، وإبقاء على ماله (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ) ماله (بِالْمَعْرُوفِ) بقدر حاجته وأجرة سعيه. وقيل : أقلّ الأمرين ، لقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١). ولا ريب أنّ هذا أحسن. وهذا مشعر بأنّ الوليّ له حقّ في مال الصبيّ. وقيل : يأخذ من ماله قدر الحاجة على وجه الاستقراض.
وفي الحديث : «أنّ رجلا قال للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ في حجري يتيما ، أفآكل من ماله؟ قال : كل بالمعروف غير متأثّل (٢) مالا ، ولا واق مالك بماله».
(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) بأنّهم قبضوها ، فإنّه أنفى للتهمة ، وأبعد من الخصومة ووجوب الضمان. وظاهره يدلّ على أنّ القيّم لا يصدّق في دعواه إلّا بالبيّنة. وهو المختار عندنا. وهو مذهب مالك ، خلافا لأبي حنيفة.
(وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) محاسبا ، فلا تخالفوا ما أمرتم به ، ولا تتجاوزوا ما حدّ لكم.
__________________
(١) الأنعام : ١٥٢.
(٢) أي : متّخذ مالا أصلا ، من : تأثّل المال ، أي : اكتسبه وثمّره.