خليله. وإنّما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيما له ، وتنصيصا على أنّه الممدوح.
والخلّة من الخلال ، فإنّه ودّ تخلّل النفس وخالطها. وقيل : من الخلل ، فإنّ كلّ واحد من الخليلين يسدّ خلل الآخر. أو من الخلّ ، وهو الطريق في الرمل ، فإنّهما يترافقان في الطريقة. أو من الخلّة بمعنى الخصلة ، فإنّهما يتوافقان في الخصال. أو من الخلّة والخلولة بمعنى الفقر والاحتياج ، لأنّه افتقر إلى الله عزوجل حسب ، وتوكّل عليه ، وانقطع بحوائجه إليه ، واشتغل به عمّا سواه.
وهذه الجملة استئناف جيء بها للترغيب في اتّباع ملّته ، والإيذان بأنّه نهاية في الحسن ، وغاية كمال البشر ، فيجب التبعيّة في ملّته.
وروى عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّه كان إبراهيم عليهالسلام يضيف الضيفان ، ويطعم المساكين ، والناس أصابهم جدب وقحط في سنة ، فبعث إلى خليل له بمصر يلتمس منه طعاما لأهله.
فقال خليله : لو كان إبراهيم يريد لنفسه لفعلت ، ولكن يريد للأضياف ، وقد أصابنا ما أصاب الناس.
فاجتاز غلمانه ببطحاء (١) ليّنة ، فملؤا منها الغرائر (٢) حياء من الناس. فلمّا أخبروا إبراهيم عليهالسلام ساءه الخبر ، فغلب النوم عينيه فنام ، وقامت سارة إلى غرارة منها فأخرجت أحسن الحوّارى (٣) فاختبزت. فاستيقظ إبراهيم عليهالسلام فاشتمّ رائحة الخبز ، فقال : من أين لكم هذا؟
فقالت : من خليلك المصري.
__________________
(١) البطحاء : مسيل فيه دقاق الحصى ، وبطحاء الوادي : تراب ليّن ممّا جرّته السيول.
(٢) الغرارة واحدة الغرائر التي للتّبن ، أي : وعاء للتّبن. انظر الصحاح ٢ : ٧٦٩.
(٣) الحوّارى بالضمّ وتشديد الواو والراء مفتوحة : الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه. لسان العرب ٤ : ٢٢٠.