والقيام بالحقّ ، وترك الميل والجور ، لينالوا ما عنده من ثواب الدارين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) مواظبين على العدل ، مجتهدين في إقامته ، حتّى لا تجوروا أصلا (شُهَداءَ لِلَّهِ) بالحقّ ، تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمركم بإقامتها. وهذا خبر ثان ، أو حال. (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ولو كانت الشهادة على أنفسكم ، بأن تقرّوا عليها ، لأنّ الشهادة بيان الحقّ ، سواء كان عليه أو على غيره (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ولو على والديكم وأقاربكم (إِنْ يَكُنْ) أي : المشهود عليه ، أو كلّ واحد منه ومن المشهود له (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة عليه لغناه ، ولا تجوروا فيها ميلا وترحّما عليه لفقره (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) بالغنيّ والفقير ، وبالنظر لهما. فلو لم تكن الشهادة عليهما أولهما صلاحا لما شرعها. وهو علّة الجواب ، أقيمت مقامه.
والضمير في «بهما» راجع إلى ما دلّ عليه قوله : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) لا إلى أحد المذكورين ، فلذلك ثنّى ولم يفرد. وهو جنس الغنيّ وجنس الفقير. كأنّه قيل : فالله أولى بجنس الغنيّ والفقير ، أي : بالأغنياء والفقراء. فلا يرد : أن الأولى أن لا يثنّى الضمير في «أولى بهما» بل حقّه أن يوحّد ، لأنّ قوله : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) في معنى : إن يكن أحد هذين. ويشهد على هذا المعنى أنّه قرئ : فالله أولى بهم.
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) لأن تعدلوا عن الحقّ. أو كراهة أن تعدلوا ، من العدل. (وَإِنْ تَلْوُوا) ألسنتكم عن شهادة الحقّ ، أو حكومة العدل. وقرأ ابن عامر وحمزة : وإن تلوا ، بضمّ اللام وسكون الواو ، على معنى : وإن ولّيتم إقامة الشهادة (أَوْ تُعْرِضُوا) عن أدائها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيجازيكم عليه.
وفي هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،