ولمّا أنكر سبحانه على اليهود التفريق بين الرسل في الإيمان ، عقّبه بالإنكار عليهم في طلبهم المحالات مع ظهور الآيات والمعجزات ، فقال : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) يعني : اليهود (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ). نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن كنت نبيّا فأتنا بكتاب من السماء جملة ، كما أتى موسى بالتوراة جملة.
وقيل : سألوا كتابا يعاينونه حين ينزل محرّرا بخطّ سماويّ على ألواح كما كانت التوراة ، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنّك رسول الله. وإنّما اقترحوا ذلك على سبيل التعنّت. قال الحسن : لو سألوه استرشادا لا عنادا لأعطاهم الله ذلك.
وقوله : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) جواب شرط مقدّر ، أي : إن استكبرت واستعظمت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر منه. وإنّما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم لكونهم راضين بسؤالهم ، آخذين بمذهبهم ، تابعين لسيرتهم. والمعنى : أنّ عرقهم راسخ في ذلك ، وأنّ ما اقترحوه عليك ليس بأوّل جهالاتهم.
(فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عيانا ، أي : أرنا الله نره جهرة ، أي : مجاهرين معاينين له (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) نار جاءت من السماء فأهلكتهم (بِظُلْمِهِمْ) بسبب ظلمهم ، وهو سؤالهم الرؤية.
(ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) هذه الجناية الثانية الّتي اقترفها ايضا أوائلهم. والبيّنات المعجزات. ولا يجوز حملها على التوراة ، إذ لم تأتهم بعد (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) مع عظم جريمتهم وجنايتهم (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) تسلّطا واستيلاء ظاهرا عليهم ، حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتّخاذهم.
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) الجبل لمّا امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى (بِمِيثاقِهِمْ) بسبب ميثاقهم وعهدهم الّذي أعطاهم الله إيّاه ، من