نبوّته لتقدّمه في الفضل والشرف والرتبة (كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) قدّمه لأنّه أبو البشر بعد الطوفان ، ولأنّه كان أطول الأنبياء عمرا ، وكانت معجزته في نفسه ، لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، لم يسقط له سنّ ، ولم تنقص قوّته ، ولم يشب شعره ، وأوّل من عذّبت أمّته بسبب ردّ دعوته.
(وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) وهذا جواب لأهل الكتاب عن سؤال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اقتراحا أن ينزّل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء ، وإرساله كإرسال النبيّين السالفين ، وأنّ المعجزات قد ظهرت على يده كما كانت تظهر على أيديهم.
(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم أولاد يعقوب ، كيوسف وداود (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خصّهم بالذكر مع اشتمال النبيّين عليهم تعظيما لهم ، فإنّ ابراهيم أول أولي العزم منهم ، وعيسى آخرهم ، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم. وقدّم عيسى على الأنبياء المذكورين بعده لشدّة العناية بأمره ، لغلوّ اليهود في الطعن فيه (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). وقرأ حمزة : زبورا بالضمّ. وهو جمع زبر ، وهو الكتاب بمعنى مزبور.
ثم أجمل ذكر الرسل بعد تسمية بعضهم فقال : (وَرُسُلاً) نصب بمضمر دلّ عليه «أوحينا إليك» ، كـ «أرسلنا» ، أو فسّره بقوله : (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هذه السورة بمكّة في سورة الأنعام (١) وغيرها ، أو قبل ذلك اليوم بالوحي في غير القرآن فعرّفناك شأنهم وأخبارهم (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) بلا واسطة ، وهو منتهى مراتب الوحي ، خصّ به موسى من بينهم ، وقد فضّل الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بأن أعطاه مثل ما أعطى كلّ واحد منهم.
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا قرأ الآية الّتي قبل هذه الآية على الناس قالت
__________________
(١) الأنعام : ٨٣ ـ ٨٦.