إنكارهم وجحودهم.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) فهذا استدراك عن مفهوم ما قبله ، فإنّهم لمّا تعنّتوا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء ، واحتجّ عليهم بقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الآية ، قال : إنّهم لا يشهدون بذلك ، ولكنّ الله يشهد ، أو أنّهم أنكروا الإيحاء إليك ولكنّ الله يشهد ، يعني : يبيّنه ويقرّره (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) من القرآن المعجز الدالّ على نبوّتك.
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أنزله ملتبسا بعلمه الخاصّ به ، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ. أو بحال من يستعدّ للنبوّة ويستأهل نزول الكتاب عليه. أو بعلمه الّذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم. والجارّ والمجرور على الأوّلين حال من الفاعل ، وعلى الثالث حال من المفعول. والجملة كالتفسير لما قبلها.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أيضا بنبوّتك.
وفيه تنبيه على أنّهم يودّون أن يعلموا صحّة دعوى النبوّة على وجه يستغنى عن النظر والتأمّل ، وهذا النوع من خواصّ الملك ، ولا سبيل للإنسان إلى العلم بأمثال ذلك سوى الفكر والنظر ، فلو أتى هؤلاء بالنظر الصحيح لعرفوا نبوّتك ، وشهدوا بما عرفت الملائكة وشهدوا عليها.
وقال في الجامع والكشّاف : «معنى شهادة الله بما أنزل إليه إثباته لصحّته بالمعجزات ، كما تثبت الدعاوي بالبيّنات ، وشهادة الملائكة شهادتهم بأنّه حقّ وصدق» (١).
(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : وكفى بما أقام من الحجج على صحّة نبوّتك عن الاستشهاد بغيره وإن لم يشهد غيره. وفي هذه الآية تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تكذيب من كذّبه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الدين الّذي بعثك به إلى خلقه
__________________
(١) جوامع الجامع ١ : ٣٥١ ، الكشّاف ١ : ٥٩٢.