(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) الباء للتبعيض ، لأنّه الفارق بين قولك : مسحت المنديل ، ومسحت بالمنديل. وقيل : زائدة ، لأنّ المسح متعدّ بنفسه ، ولذلك أنكر أهل العربيّة إفادة التبعيض. والتحقيق أنّها تدلّ على تضمين الفعل معنى الإلصاق ، فكأنّه قال : ألصقوا المسح برؤسكم ، وذلك لا يقتضي الاستيعاب ولا عدمه ، بخلاف «امسحوا رؤوسكم» فإنّه كقوله : «فاغسلوا وجوهكم».
ثم اختلف في القدر الواجب مسحه ، فقال أصحابنا : أقلّ ما يقع عليه الاسم أخذا بالمتيقّن ، ولنصّ أئمّتهم عليهمالسلام ، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : ربع الرأس ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح على ناصيته وهو قريب من الربع. وهو غلط. ومالك مسح الجميع.
والمسح عندنا مختصّ بالمقدّم ، لوقوع ذلك في البيان ، فيكون ذلك متعيّنا ، ولأنّه يجزي بالإجماع ، لأنّ جميع الفقهاء قالوا بالتخيير أيّ موضع شاء.
والحقّ أنّه لا يجب الابتداء بالأعلى ، لإطلاق المسح ، ولقول أحدهما عليهماالسلام : «لا بأس بالمسح مقبلا ومدبرا».
وأنّه لا يتقدّر بثلاثة أصابع ، لما بيّنّا من الإطلاق ، ولقول الباقر عليهالسلام : «إذا مسحت بشيء من رأسك ، أو بشيء من قدميك ، ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك».
نعم ، المسح بثلاث أصابع أفضل.
(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنصب عطفا على محلّ «برؤوسكم» إذ الجارّ والمجرور محلّه النصب على المفعوليّة ، كقولهم : مررت بزيد وعمرا. وقرئ : «تنبت بالدهن وصبغا للآكلين» (١). وكقول الشاعر :
معاوي إنّنا بشر فأسجح |
|
فلسنا بالجبال ولا الحديدا |
وقرأ الباقون بالجرّ عطفا على رؤسكم. وهو ظاهر. فالقراءتان دالّتان على معنى واحد ، وهو وجوب المسح كما هو مذهب أصحابنا الإماميّة. ويؤيّده ما رووه
__________________
(١) المؤمنون : ٢٠.