كيدهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أي : صنيع الّذين يقعون في الكفر سريعا ، يقال : أسرع فيه الشيب ، وأسرع فيه الفساد ، بمعنى : وقع فيه سريعا ، فكذلك مسارعتهم في الكفر ووقوعهم وتهافتهم فيه ، أسرع شيء إذا وجدوا منه فرصة. (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أي : من المنافقين. والباء متعلّقة بـ «قالوا» لا بـ «آمنّا». والواو تحتمل الحال والعطف.
(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) عطف على «مِنَ الَّذِينَ قالُوا» (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم سمّاعون. والضمير للفريقين ، أو لـ (الَّذِينَ يُسارِعُونَ).
ويجوز أن يكون مبتدأ ، و «من الّذين» خبره ، أي : ومن اليهود قوم سمّاعون. واللام في «للكذب» إمّا مزيدة للتأكيد ، أو لتضمين السماع معنى القبول ، أي : قابلون لما تفتريه الأحبار من الكذب على الله وتحريف كتابه ، أو للعلّة ، والمفعول محذوف ، أي : سمّاعون كلامك ليكذبوا عليك فيما يسمعون منك.
(سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) أي : لجمع آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك ، وتجافوا عنك تكبّرا ، أو إفراطا في البغض. والمعنى على الوجهين : مصغون لهم قابلون كلامهم ، أو سمّاعون منك لأجلهم ، وللإنهاء إليهم. ويجوز أن تتعلّق اللام بالكذب ، لأنّ «سمّاعون» الثاني للتأكيد ، أي : سمّاعون ليكذبوا لقوم آخرين.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي : يميلونه عن مواضعه الّتي وضعه الله تعالى فيها ، إمّا لفظا بإهماله أو تغيير وضعه ، وإمّا معنى بحمله على غير المراد ، وإجرائه في غير مورده. والجملة صفة أخرى «لقوم» ، أو صفة لـ «سمّاعون» ، أو حال من الضمير فيه ، أو استئناف لا موضع له ، أو في موضع الرفع خبر لمحذوف ، أي : هم يحرّفون. وكذلك (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) أي : إن أوتيتم هذا المحرّف فاقبلوه واعملوا به (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي : فاحذروا قبول ما أفتاكم