وبين قومنا خصومة ، فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدّقك ، فأبى ذلك رسول الله ، فنزلت هذه الآية.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الحكم المنزل ، وأرادوا غيره (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ) يعاقبهم ويعذّبهم عذابا مغلّظا شديدا (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) يعني : ذنب التولّي عن حكم الله تعالى ، فعبّر عنه بذلك تنبيها على أنّ لهم ذنوبا كثيرة ، وهذا مع عظمه واحد منها ، معدود من جملتها. وفي هذا دلالة على تعظيم البعض ، كما أن في التنكير معنى التعظيم. (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) لمتمرّدون في الكفر ، معتدون فيه.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) الّذي هو الميل والمداهنة في الحكم (يَبْغُونَ)؟! المراد الملّة الجاهليّة الّتي هي متابعة الهوى والجهالة ، لا تصدر عن كتاب ، ولا ترجع إلى وحي.
قيل : نزلت في بني قريظة والنضير ، طلبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهليّة من التفاضل بين القتلى.
وقرأ ابن عامر : «تبغون» بالتاء على : قل لهم أفحكم الجاهليّة تبغون؟ وعلى التقديرين ، هذا تعيير لليهود بأنّهم أهل الكتاب ، وهم يبغون حكم أهل الجاهليّة الّذين هم عبدة الأوثان.
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الاستفهام للتقرير ، أي : لا أحد حكمه أحسن من حكم الله عند قوم يوقنون. فاللام للبيان ، كما في قوله : (هَيْتَ لَكَ) (١) ، أي : هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون ، فإنّهم هم الّذين يتدبّرون الأمور ، ويتحقّقون الأشياء بأنظارهم ، فيعلمون أن لا أحسن حكما من الله تعالى.
__________________
(١) يوسف : ٢٣.