لهم أحد ينصرهم من النار ، ويخلّصهم من عذابها. فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا على أنّهم ظلموا بالإشراك ، وعدلوا عن طريق الحقّ. وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى ، وأن يكون من كلام الله تعالى ، تنبيها على أنّهم قالوا ذلك تعظيما لعيسى وتقرّبا إليه ، وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه ، فما ظنّك بغيره؟! ثمّ أقسم سبحانه قسما آخر بقوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) أي : أحد ثلاثة. وهو حكاية عمّا قاله النسطوريّة والملكانيّة منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة ، أي : الأصول الثلاثة : ابن ، وأب ، وروح القدس (وَما مِنْ إِلهٍ) وما في الوجود ذات واجب مستحقّ للعبادة من حيث إنّه مبدأ جميع الموجودات (إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) موصوف بالوحدانيّة ، متعال عن الشرك. و «من» مزيدة للاستغراق.
(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) ولم يوحّدوا (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ليمسّنّ الّذين بقوا منهم على الكفر ، فتكون «من» للتبعيض. أو ليمسّنّ الّذين كفروا من النصارى ، فتكون بيانيّة. ووضعه موضع : ليمسّنّهم ، تكريرا للشهادة على كفرهم ، وتنبيها على أنّ العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه ، ولذلك عقّبه بقوله : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) أي : أفلا يتوبون بالانتهاء عن تلك العقائد الباطلة والأقوال الزائغة ، ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتّحاد والحلول ، بعد هذا التقرير والتهديد الشديد؟ (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر الذنوب ويسترها رحمة منه لعباده. وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم.
والفرق بين التوبة والاستغفار : أنّ الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء أو التوبة أو غيرهما من الطاعات ، والتوبة الندم على المعصية مع العزم على أن لا يعود إلى مثلها في القبح.