وخرج عمرو بن العاص وأهله معه ، فلمّا ركبوا السفينة شربوا الخمر ، فقال : عمارة لعمرو بن العاص : قل لأهلك تقبّلني ، فأبى. فلمّا انتشى (١) عمرو دفعه عمارة في الماء ، ونشب (٢) عمرو في صدر السفينة وأخرج من الماء ، وألقى الله العداوة بينهما في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي.
ثمّ وردا على النجاشي ، فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك إنّ قوما خالفونا في ديننا ، وسبّوا آلهتنا ، وصاروا إليك ، فردّهم إلينا.
فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه ، فقال : أيّها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟
فقال : لا ، بل أحرار.
قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟
قال : لا ، مالنا عليكم ديون.
قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟
قال عمرو : لا.
قال : فما تريدون منّا ، آذيتمونا فخرجنا من بلادكم؟! أيّها الملك ، بعث الله فينا نبيّا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام. وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي.
فقال النجاشي : بهذا بعث الله عيسى.
ثمّ قال النجاشي لجعفر : هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟
قال : نعم. فقرأ سورة مريم ، فلمّا بلغ قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٣) قال : هذا والله هو الحقّ.
__________________
(١) أي : سكر.
(٢) أي : تعلّق.
(٣) مريم : ٢٥.