توطئة وتعظيما. ونطمع عطف على «نؤمن» ، أو خبر محذوف والواو للحال ، أي : ونحن نطمع ، والعامل فيها عامل الأولى مقيّدا بها ، أو «نؤمن».
(فَأَثابَهُمُ اللهُ) جازاهم (بِما قالُوا) أي : عن اعتقاد ، من قولك : هذا قول فلان ، أي : معتقده (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) الّذين أحسنوا النظر والعمل. أو الّذين اعتادوا الإحسان في الأمور.
قال المفسّرون (١) : إنّ هذه الآيات الأربع نزلت في النجاشي وأصحابه. وبيان هذا : إنّ قريشا ائتمروا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله تعالى منهم من شاء ، ومنع الله رسوله بعمّه أبي طالب.
فلمّا رأى رسول الله ما بأصحابه ، ولم يقدر على منعهم ، ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : إنّ بها ملكا صالحا لا يظلم ، ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتّى يجعل الله للمسلمين فرجا.
وأراد به النجاشي ، واسمه أصحمة ، وهو باللغة الحبشيّة عطيّة ، وإنّما النجاشي لقب ملك الحبشة ، كقولهم : كسرى وتبّع وقيصر ، ألقاب ملوك فارس واليمن والروم.
فخرج إلى البحر سرّا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار ، وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهذه هي الهجرة الأولى. ثمّ خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها. وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا ، سوى النساء والصبيان.
فلمّا علمت قريش بذلك وجّهوا عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي ليردّوهم إلى مكّة. وكان عمارة بن الوليد شابّا حسن الوجه ،
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٣٣.