وبعض المباحات ، وصونا للنفس عن الخسّة ، وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة» (١).
(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فلا يؤاخذهم بشيء. وفيه أنّ من فعل ذلك صار محسنا ، ومن صار محسنا صار لله محبوبا.
قال علم الهدى (٢) رحمهالله : «إنّ المفسّرين تشاغلوا بإيضاح الوجه في التكرار الّذي تضمّنته الآية ، وظنّوا أنّه المشكل منها ، وتركوا ما هو أشدّ إشكالا من التكرار ، وهو أنّه تعالى نفى الجناح عن الّذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما يطعمونه بشرط الاتّقاء والإيمان وعمل الصالحات ، والحال أنّهما ليسا بشرط في نفي الجناح ، فإنّ المباح إذا وقع من الكافر فلا إثم عليه ولا وزر.
ولنا في حلّ هذه الشبهة : أنّ الإيمان وعمل الصالحات هنا ليس بشرط حقيقيّ ، وإن كان معطوفا على الشرط ، فكأنّه تعالى لمّا أراد أن يبيّن وجوب الإيمان وعمل الصالحات عطفه على ما هو واجب من اتّقاء المحارم ، لاشتراكهما في الوجوب ، وإن لم يشتركا في كونهما شرطا في نفي الجناح فيمن يطعم. وهذا توسّع في البلاغة يحار العقل فيه استحسانا واستغرابا.
أو نضمّ إلى المشروط المصرّح به غيره حتى يظهر تأثير ما شرط. فيكون تقدير الآية : ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ، لأنّ الشرط في نفي الجناح لا بدّ من أن يكون له تأثير حتّى يكون متى انتفى ثبت الجناح ، وقد علمنا أنّه باتّقاء المحارم ينتفي الجناح فيما يطعم ، فهو الشرط الّذي لا زيادة عليه. ولمّا ولي ذكر الاتّقاء الإيمان وعمل الصالحات ولا تأثير لهما في نفي الجناح ، علمنا أنّه أضمر ما تقدّم ذكره ليصحّ الشرط ويطابق المشروط ، لأنّ من اتّقى الحرام فيما يطعم لا جناح عليه فيما يطعمه ، لكنّه قد يصحّ أن يثبت عليه الجناح فيما أخلّ به من واجب وضيّعه من
__________________
(١) أنوار التنزيل ٢ : ١٦٨.
(٢) أمالي المرتضى (طبعة دار الكتاب العربي) ٢ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.