والضحّاك : أنّه لمّا نزل تحريم الخمر قالت الصحابة : يا رسول الله فكيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر؟ فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) من الخمر والميسر قبل نزول آية التحريم. أو من أيّ شيء طعموه من مستلذّات المطاعم ومشتهياتها. وفي تفسير أهل البيت عليهمالسلام : فيما طعموا من الحلال. وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب.
(إِذا مَا اتَّقَوْا) شربها بعد التحريم ، أو ما حرّم عليهم من المطاعم. (وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة (ثُمَّ اتَّقَوْا) أي : داموا على الاتّقاء (وَآمَنُوا) وداموا على الإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا) عن جميع المعاصي (وَأَحْسَنُوا) وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها. فالاتّقاء الأوّل اتّقاء الشرب بعد التحريم ، والاتّقاء الثاني هو الدوام على ذلك ، والثالث اتّقاء جميع المعاصي وضمّ الإحسان إليه.
وقيل : الاتّقاء الأوّل هو اتّقاء المعاصي العقليّة الّتي تختصّ المكلّف به ولا تتعدّاه. والإيمان الأوّل الإيمان بالله وبما أوجب الإيمان به ، والإيمان بقبح هذه المعاصي ووجوب تجنّبها. والاتّقاء الثاني هو اتّقاء المعاصي السمعيّة ، والإيمان بقبحها ووجوب اجتنابها. والاتّقاء الثالث يختصّ بمظالم العباد ، وبما يتعدّى إلى الغير من الظلم والفساد. أو الأوّل الماضي ، والثاني الحال ، والثالث المستقبل.
وفي الأنوار : «ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة. أو باعتبار الحالات الثلاث : استعمال الإنسان التقوى ، والإيمان بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، وبينه وبين الله تعالى ، ولذلك بدّل الإيمان بالإحسان في الكرّة الثالثة ، إشارة إلى ما قاله صلىاللهعليهوآلهوسلم في تفسيره : «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه».
أو باعتبار المراتب الثلاث : المبدأ ، والوسط ، والمنتهى. أو باعتبار ما يتّقى ، فإنّه ينبغي أن تترك المحرّمات توقّيا من العقاب والشبهات ، وتحفّظا للنفس عن الوقوع في الحرام